خاص مجلة القدس/ حوار: امل خليفة

تشهد الساحة الفلسطينية مؤخَّرًا صولات وجولات مكثَّفة لوزير الخارجية الأميركي ضمن مسعاه للضغط على القيادة الفلسطينية ترهيبًا وترغيبًا في موضوع المفاوضات، في حين تواجه القيادة الفلسطينية هذه المساعي بصلابة وتمسُّك أكبر بالثوابت الفلسطينية كاملة دون أي انتقاص، في ظل شد وجذب يشهده ملف المصالحة. وللاطلاع على آخر مستجدات المفاوضات، وآخر المتغيِّرات على الساحة الفلسطينية وما تمَّ تحقيقه حتى الآن في ملف المصالحة كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المشرف العام على الساحة اللبنانية عزام الأحمد.

بقيت أربعة أشهر من المهلة التي تمَّ الاتفاق عليها للمفاوضات، فما الذي آلت إليه حتى الآن؟ نأمل أن يتم التوصُّل إلى اتفاق نهائي قبل مضي الشهور التسعة التي تمَّ الاتفاق عليها كمهلة لإنهاء المفاوضات. ولكن للأسف، فبالرغم من عشرين جولة من التفاوض- كانت عشرة منها لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري- إلا أننا ما زلنا عند نقطة الصفر، بل إننا حتى عدنا للخلف بدلاً من التقدُّم، وذلك لم يكن ليحدث لو تعاطَت الأطراف بجدية ونزاهة مع الموضوع وأوَّلها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن كيري شرع يطرح أفكارًا هي الأقرب لوجهة نظر اليمين الإسرائيلي المتطرِّف بقيادة نتنياهو، مما شجَّع إسرائيل على المزيد من التعنُّت والتنكُّر للتفاهمات التي سبقَ التوصل إليها بين الرئيس أبو مازن وأولمرت، وأبرزها التفاهم حول الجانب الأمني، حيثُ تمَّ الاتفاق على تواجد قوات دولية على أراضي الدولة الفلسطينية في اليوم التالي لقيام الدولة الفلسطينية، وإن كانت هذه القوات من حلف الناتو ولكن تحت غطاء واسم الأمم المتحدة، وهذه هي أهم نقطة علمًا أننا نحن من يحتاج إلى الأمن لا الإسرائيليون. كذلك فقد كان هناك تفاهم حول أن حدود الرابع من حزيران للعام 67 هي حدود الدولة الفلسطينية. غير أنَّ كيري الآن تراجع عن كل ذلك وخرج إلينا باقتراحات جديدة. فطرح علينا اتفاق الإطار، فقلنا له بأنه إذا كان الإطار في حدود تسعة أشهر فلا مشكلة لدينا، على أن تكون الأمور واضحة. ولكن عندما يأتي بطرح غامض يتضمن بقاء القوات الإسرائيلية في منطقة غور الأردن لعشر سنوات فهذا أمرٌ لا يمكننا القبول به، كما لا يمكننا القبول بطروحاته المليئة بالغموض والتعميم القابل للتفسير بأكثر من شكل حول القدس. فنحن نريد القدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967، ولن نقبل بغير ذلك، وإن كان كما طرح بأن تكون القدس الكبرى عاصمة للدولتَين، لأن في ذلك خداع، ودائمًا الطرف الضعيف على الأرض هو الذي يدفع الثمن، ونحن لا نمتلك قوة توازي قوة إسرائيل وإنما قوتنا تنبع من عدالة قضيتنا، ولكن إسرائيل تتحكَّم بالأمور على الأرض، فمن الممكن أن تقول لنا إسرائيل بأن القدس هي بيت حنينا مثلاً -وهي جزء من القدس- أو إلى الخان الأحمر أو أبو ديس، ولكننا نريد القدس الشرقية كاملةً بكل مقدساتها بما فيها الحوض المقدس داخل السور الذي يضم كنيسة القيامة والمسجد الأقصى وبقية المقدَّسات الأخرى، فهذه هي القدس الشرقية وأحياؤها التي حول السور. كذلك فبالنسبة لقضية اللاجئين، لن نقبل بأقل من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تؤكِّد أن حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم هو حق شخصي قبل أن يكون حقًا عامًا، لذلك فحتى القيادة الفلسطينية لا تملك التصرف والتنازل عن حق العودة والتعويض بحسب القرار 194.

 

ما الخيارات التي يمكن للقيادة الفلسطينية أن تلجأ إليها في حال لم تصل لنتيجة مع التفاوض في نهاية شهر نيسان المقبل؟

خياراتنا كثيرة وعديدة وهي محصورة الآن في مجال العمل السياسي، وكفلسطينيين علينا أن نثق ببعضنا البعض، وأن نثق بأن الرئيس أبو مازن لن يتنازل عن حقوقنا الوطنية، وكذلك القيادة الفلسطينية لن تتنازل عن الثوابت الفلسطينية، فنحن نناضل من أجل تنفيذ البرنامج الوطني الذي أعتُمِد في العام 1988، وتم فيه إعلان الاستقلال من خلال المجلس الوطني الفلسطيني، وحل الدولتَين؛ ومن أجل تعزيز وحدة منظمة التحرير الفلسطينية المبنية على الثقة وعلى البرنامج الوطني. كذلك يجب علينا إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، ليكون تأثير تحرُّكنا أقوى، وطالما أن وثيقة الاتفاق الوطني التي تم التوقيع عليها في القاهرة في العام 2006 من قِبَل "م.ت.ف" الممثِّل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني وجميع القوى الفلسطينية عدا الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية أقرَّت المفاوضات والمصالحة فإذن على ماذا نختلف؟! .. جميعنا نريد أن نصعِّد المقاومة الشعبية السلمية، ولكنها يجب أن تكون بزخم أكبر من ذلك، وإذا لم نكن موحَّدين فلن تكون هذه المقاومة قوية. فالمقاومة السلمية في جنوب إفريقيا مثلاً طغت على الجانب العسكري وأدَّى لتحرير جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري هناك. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى ما قاله زميل مانديلا في الأسر السيد أحمد كاترادا حيثُ لفت إلى أنه ومانديلا كانا يظنان أنهما أكثر سجينين اعتُقِلا في العالم زمنيًا، ولكنهما صُدِما حين زارا فلسطين وشاهدا العشرات من الفلسطينيين الذين أمضوا سنوات في الأسر تفوق ما قضياه بأضعاف، وأعتقد أن إسقاط الاحتلال سيكونُ أسهل كذلك.

وبالعودة إلى موضوع الانقسام، فعلينا كذلك ألا ننسى أن إسرائيل ليست ببعيدة عن موضوع فصل الضفة عن غزة، وبعد الثورة في مصر، انكشفت خطط الجنرال الإسرائيلي الذي نادى بإقامة الدولة الفلسطينية في غزة، على حساب أراضي سيناء، والأخ صائب عريقات عندما قال لوزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني في إحدى جلسات المفاوضات بأنكم إذا كنتم لا تريدون حل الدولتين فلنناقش حل الدولة الواحدة، قالت له نحن جاهزون ولكن دون غزة، لأنهم يريدون لها أن تكون خارج المعادلة حتى ولو كانت مسلَّحة، وهذا يتضح من خلال ممارسات إسرائيل التي تصادر أسلحتنا والكل يعلم بأن هناك 1500 بندقية للشرطة الفلسطينية محتجزة منذ عدة سنوات في الأردن، إضافةً إلى ما قامت به إسرائيل من تدمير ومصادرة لآلاف البنادق الخاصة بالسلطة الفلسطينية أثناء اجتياح الضفة الغربية في أعوام الانتفاضة خصوصًا في العامَين 2002 و2003، وحتى الآن فهذه الأسلحة ما زالت محتجزة في الأردن منذ العام 2007، فلماذا ترسانة الأسلحة والصواريخ موجودة في غزة ومنذ سنوات؟! بالطبع الموضوع ليس محبةً في حماس والشعب الفلسطيني، ولكن لخداع الشعب وللسماح باستخدامه في الأوقات وبالاتجاهات التي تريدها إسرائيل. وبالأمس أعلن إسماعيل هنية أنهم في هدنة مع إسرائيل ولا يفكرون بحرب معها، إذًا فما هو خلاف حماس مع السلطة؟ لذلك أقول بأنه لا بد من إنهاء الانقسام واستثمار انجاز عضوية فلسطين في المنظمة الدولية، وعندما نبدأ بالدخول في مؤسسات الأمم المتحدة بدءًا من اتفاقية جنيف ومرورًا بمنظمة الفاو وبقية المؤسَّسات ووصولاً لمحكمة الجنايات الدولية وقتها نستطيع أن نُطبِّق البند السابع على إسرائيل، ونستطيع إجبار الاحتلال على الخروج من أراضينا باستخدام القوة. وفي الوقت نفسه، نحن نريد أن نُدعِّم مؤسَّسات منظَّمة التحرير بشكل أكبر من خلال الوحدة والثقة في الداخل والخارج، لكي نبدأ العمل على صعيد الدولة الفلسطينية التي ستكون لكل الفلسطينيين وليست كالسلطة الفلسطينية التي هي فقط لأهل غزة والضفة الغربية وجزء من القدس. فلذلك الخيارات التي يمكن أن تستخدمها القيادة كثيرة وتفاصيل الخيارات أيضًا كثيرة، وكل شيء في وقته سيُعبِّر عن نفسه بشكل أفضل، وهي كما وردت في النظام الداخلي لحركة "فتح"، ونحن لن نتخلَّى عنها جميعها بما فيها الكفاح المسلَّح الذي لم نسقطه حتى بعد أوسلو- وإن كان الآن ليس وقته- والكثير من الشهداء كانوا من أفراد أجهزة الأمن وما زال جزء منهم رهن الاعتقال في سجون الاحتلال حتى الآن، ونعمل على الإفراج عنهم وعن كل الأسرى الذين لا يمكن أن ننسى دورهم في انتفاضة الأقصى وانتفاضة الأسرى وانتفاضة النفق، كما لا يمكننا أن ننسى سيد الشهداء الرئيس الراحل أبو عمار الذي قضى شهيدًا وهو محاصر في المقاطعة في رام الله، والشهيد أبو جهاد وأبو إياد وأحمد موسى وآلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والأسرى، لذلك نحن من بين كل أساليب النضال نعرف ما نريد، ولن نقبل إلا بتحقيق ثوابتنا الفلسطينية ومعها عودة كامل حقوقنا بالإفراج عن الأسرى كافة، وحقوقنا بالمياه والحدود والسماء والهواء وليس الأرض فقط، وعلى الاحتلال أن يدفع للفلسطينيين ثمن المعاناة النفسية والمعنوية التي سببها لهم منذ النكبة وحتى خروج آخر جندي من أرضنا

.

إلى أين وصلَت جهود المصالحة الفلسطينية؟ والى متى ستبقى الأمور معلَّقة بهذا الشكل؟

جهود المصالحة مستمرة ولن تتوقَّف حتى ينتهي الانقسام. وفي اللقاء الأخير الذي جمعني في الدوحة مع الأخ خالد مشعل وعدد من أعضاء المكتب السياسي لحماس، وكل من الأخ صائب عريقات ومحمد اشتية، تحدَّثنا بصراحة وأكَّدنا أنه قد آن الأوان لإنهاء الانقسام، وأبلغنا الأخوة في حماس بضرورة تشكيل حكومة كفاءات كما تم الاتفاق عليه في الدوحة تتبعها الانتخابات، وأكَّدنا أننا لن نتأثَّر بما حدث في مصر وأن ذلك لن يؤثِّر على موقفنا من حماس أو موقف مصر من حماس، ولكن التراجع مرةً أخرى غير جائز على غرار ما حصل في 14/8/2013، حين اتهمونا بأننا اخترنا المفاوضات على المصالحة، وهذا ادعاء وتمَّت مراجعتهم به. كذلك اقترحنا تشكيل حكومة وإجراء انتخابات بتفويض الأخ أبو مازن بالإعلان عن ذلك في الوقت المناسب والمتفَّق عليه من قِبَل الجميع، ومن حيث المبدأ تم التوافق على هذين الأمرين معهم ولكننا ننتظر الاتفاق الرسمي المكتوب الذي سينهي الانقسام الذي سهَّلته إسرائيل بمشروع شارون بالخروج من غزة ومن طرف واحد. وبالطبع فالمصالحة قائمة غير أنَّها تتضمَّن عشرات الملفات التي لا يمكن حلها دفعة واحدة ولكنني أؤكِّد أن وحدة الوطن أهم من حركتَي فتح وحماس، ففتح علمتنا أن حركتنا وسيلة وفلسطين هي الغاية، إلا أن الأخوة في حماس لا يؤمنون بذلك وإنما هدفهم الدولة الإسلامية. ولكن الحقيقة هي أن فلسطين أهم من جميع الحركات والجبهات والايديولوجيات، وعندما يتم تحرير فلسطين وتتجسَّد كدولة مستقلة يأتي وقتها دور الايديولوجيات التي ستحكمها.

 

من خلال زيارتكم الأخيرة للبنان كيف تُقيِّمون الوضع الفلسطيني والفتحاوي في الساحة اللبنانية؟

افتخر جدًا بشعبنا في لبنان وبإشرافي على الساحة اللبنانية، فالمهمة شاقة وليست سهلة خصوصًا بعد خروج الثورة الفلسطينية والانقطاع الطويل في العلاقات مع الدولة اللبنانية، وإلغاء اتفاق القاهرة من جانب واحد، وبعد الترهُّل والتسيُّب في العمل الفلسطيني والفتحاوي في لبنان. ولكنني افتخر بكل من يقول أنا "فتح" في لبنان، وبكل من يقول أنا فلسطيني وأنا مع منظَّمة التحرير الفلسطينية، وافتخر بكل من حافظ على الوجود الفلسطيني في لبنان بغض النظر عن حجم وجودنا وقوتنا في لبنان خصوصًا مع حجم التغيُّرات والتعقيدات التي حصلت بعد العام 1982، غير أنه خلال السنوات الماضية تمَّت إعادة تأهيل الكثير من المؤسَّسات، والفضل في ذلك يعود لأهلنا الموجودين في لبنان نتيجة لتوفُّر الأدوات الملتزمة التي ضمنت وكفِلت النجاح، إذ إنَّه دون هذه الأدوات لم يكن من الممكن تحقيق هذا الجهد وهذا النجاح. كذلك فقد تمَّت إعادة بناء "فتح" في لبنان وعقد مؤتمرين للإقليم فيه، وما يُميِّز ذلك أنه في بيت لحم على سبيل المثال كان المؤتمر مستحقًا لعامين ومن قبل انعقاد المؤتمر العام في عام 2008 وحتى الآن وبعد انقضاء أربع سنوات لم نستطع عقد المؤتمرات في الداخل، في حين أنه في لبنان تم عقد المؤتمرين وفق النظام الداخلي لفتح وبشكل نموذجي وليس وفق نظام العشائر والحمائل كما في الداخل، وبهذا تمكَّنت "فتح" و"م.ت.ف"من التغلُّب على كافة المحاولات التي مورِست لإضعافهما والنيل من وجودهما من قِبَل عدة دول وجهات، فعززت صمود أهلنا، ومؤسساتنا ومنها صندوق دعم الطالب الفلسطيني في لبنان الذي ما زال يُقدِّم منحة كاملة لتسجيل كل طالب يتقدَّم للجامعة في لبنان، وصندوق التكافل الأسري الذي ما زال يُقدِّم الدعم لأهلنا في لبنان، إضافةً إلى صندوق الاستثمار الفلسطيني، والعمل الحثيث على إعادة بناء وترتيب قيادة فصائل "م.ت.ف" لتعاود الاجتماع بشكل منظَّم ولإعادة العلاقة والإشراف عليها مع الدولة اللبنانية وللإشراف على المخيمات، هذه كلها جهود تمَّت من خلال الأخوة في لبنان، إلى جانب قيامنا بزيارة مخيم ضبية، الذي كان منسيًا، برفقة السفير الفلسطيني أشرف دبور وكوادر من قيادة "فتح" ليلة الميلاد المجيدة، وهنا لا بدَّ أن أؤكِّد بأننا ومخيماتنا جزء من الدولة اللبنانية وتحت سلطة قانونها، وحين تعلن الدولة اللبنانية بأنها تريد ممارسة الأمن وتطبيقه على المخيمات، فنحن مستعدون للاتفاق مع الدولة لتنفيذ ذلك.

وبالنسبة لأوضاع الفلسطينيين في لبنان، فقد جرى تحسين بعض الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان، ولكن هذا غير كافٍ، ونحن نعمل بتنسيق كامل مع القوى كافة في لبنان، ونأمل أن يتم تحسين وتحصيل بقية الحقوق المدنية للفلسطينيين، وأنا أدعو كل الفصائل والفعاليات وخصوصًا "فتح" لتوعية أبنائنا لئلا يتم تجنيدهم لدى أحد من هنا أو هناك سواء أكان زعيم عصابة أم غيره بسبب ضيق الحاجة والإغراء بالمال، فالانتماء يجب أن يكون للوطن وليس للعصابات، وزعماء العصابات همهم سرقة الأموال على حساب الشباب، لذا علينا ألا نسمح لهم باستخدام الوجود الفلسطيني والمخيم للعبور أو الاختباء والإيواء أو لإثارة الفتن، فبالرغم من أن الفلسطينيين كانوا أقلية في "فتح" الإسلام، إلا أن نهر البارد والفلسطينيين هم من دفع الثمن، ونحن الآن بصدد استكمال بناء مؤسساتنا في لبنان، وفي الأيام القادمة سنعمل على انجاز ما تقرَّر من إعادة هيكلة لقواتنا في لبنان لتكون قوة واحدة قادرة على توفير الأمن والأمان لمخيماتنا بالتنسيق مع الدولة اللبنانية.