خاص مجلة القدس/ حوار: عبد الله خليل

"رغم محاولة بعض الأطراف الزج بالفلسطينيين في أعمال إجرامية في السّاحة اللبنانية إلا أننا نُدينها ونُدين أيَّ تخريب في الساحة اللبنانية. ومن هنا فالمطلوب أن نكون صفًا موحّدًا وأن نحافظ على العلاقة المميّزة مع الأخوة اللبنانيين، وننأى عن الوضع اللبناني الداخلي. وأُحيي القيادة المنتخَبة في الساحة اللبنانية وكلَّ من شارك في مؤتمرات المناطق والإقليم، وأنا متأكّد أنهم سيكونون على قدر هذه المسؤولية وهذا الأمل، وأتوجَّه بالتحية إلى إخوتنا بالسفارة الفلسطينية على الدعم الذي يقدِّمونه للحركة وللقوى السياسية كافةً، ولا أنسى الأخوة في قيادة الساحة وانسجامهم المميّز مع التنظيم ولجنة الإقليم".

بهذه الكلمات بدأ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مفوض الأقاليم الخارجية للحركة الدكتور جمال محيسن كلامه حول أوضاع أقاليم حركة "فتح" من الناحية التنظيمية، وأهم الانجازات والتحديات التي واجهتها.

 

ما هي أوضاع أقاليم حركة "فتح" في الخارج من الناحية التنظيمية؟

أولاً أُحيي الأخوة في الأقاليم الخارجية لأننا حافظنا وما زلنا نحافظ على النظام الداخلي للحركة، والتزمنا بالنظام الذي ينص على عقد مؤتمر للإقليم كل عامين. وبالفعل فاليوم أكثر من ثُلثّي الأقاليم الخارجية عقدت مؤتمرها الثاني بعد المؤتمر العام السادس، أي أن الأغلبية منضبطة وملتزمة بالنظام الحركي لفتح، وكذلك آلية عقد المؤتمر في الخارج تتم وفق النظام المعمول به في الحركة ودون تجاوزات، وهنا أضرب المثل الأعلى بالمؤتمر الثاني لإقليم لبنان، الذي عُقِد في الشهر الماضي، كمؤتمر نموذجي يُحتَذى به حيثُ كان عدد الأعضاء 168 عضوًا حضر جميعهم عدا من كان في مهمة سفر خارج لبنان. وقد كان هذا المؤتمر مؤتمرًا بمعنى الكلمة، إذ إنَّه لم يكن مؤتمرًا انتخابيًا فقط، وإنما تمَّ خلاله تقديم تقرير موسَّع وشامل بحدود 49 صفحة، شكَّلت مادة للنقاش من قِبَل أعضاء المؤتمر، وكان هناك مجال للممارسة التنظيمية بشكل كامل، وحتى أخذ التوصيات للنهوض بالحركة والتقدُّم إلى الأمام، وكذلك تمَّ تكريس جماعية العمل في الفترة السابقة في لجان الأقاليم وهذا ما نفتخر به. وأنا سعيد جدًا أن هذا المؤتمر الذي انعقد في الساحة اللبنانية كانت نتائجه جامعة للكل الفلسطيني والفتحاوي، وكان شهادة أمام كافة الفصائل والقوى الإسلامية والأحزاب بأن "فتح" تُمارِس حياة ديمقراطية صحيحة داخل أطرها.

وقد فتحنا المجال في الفترة الأخيرة للتواصل ما بين الأقاليم الخارجية والداخل، وكل الذين ذهبوا من الداخل لزيارة أقاليم الخارج عادوا وهم يقدّرون عاليًا وجود كل أبناء "فتح" ضمن الأُطر التنظيمية للحركة، وهذا الوضع موجود أيضًا في سوريا، وفي كل الدول المستضيفة التي تسمح ظروفها الأمنية بوجود التنظيم. وبالنسبة لأقاليم الداخل نحن نحاول اليوم تطبيق النظام حيثُ أمكن، وقد قمتُ بالإشراف على إقليمَين في الداخل منهما إقليم يطا، وهو أول إقليم يُعقد له مؤتمر في الداخل، وكان أيضًا حسب النظام، ونحاول خلال هذا الشهر والشهر القادم عقد مؤتمرات المناطق للتجهيز لمؤتمر إقليم جنوب الخليل، وهذا يدل على العمل الجاد لاستنهاض الحركة في الداخل، وهناك قرار من اللجنة المركزية بتشكيل لجنة من ستة أعضاء لوضع التصوُّر الممكن لاستنهاض الوضع التنظيمي للحركة في قطاع غزة، وقريبًا ستلتقي هذه اللجنة لتضع تصوُّرها لمتابعة الوضع بشكل أفضل وأقوى في القطاع.

 

برأيك ما هي الأسباب وراء وجود إجماع بأن أقاليم "فتح" في الخارج أكثر انضباطًا منها في الداخل؟

في هذا الشأن أرغب في تسجيل نقد ذاتي علينا في اللجنة المركزية لفتح، إذ إنَّه كان من الأَولى للأخوة في اللجنة المركزية والمشرفين على الأقاليم ونحن نلتقي في لجنة الاستنهاض أن يلتزموا بالبرنامج الذي وضعناه وبالنظام الداخلي للحركة، إضافة للتقيُّد بمن هو عضو بالمنطقة أو بالمؤتمر والإقليم، فعندما نلتزم بالنظام وباللوائح المقرَّة لن يكون هناك أي مجال ليعترض أي أخٍ داخل المؤتمر أو خارجه، ولكن عندما نفتح باب العضوية للجميع في المؤتمر فهذا النهج بالتأكيد سيفتح المجال للمشاكل وسيوّلد الإحباط لدى البعض، لذلك أقول لا بد من الالتزام بالنظام الداخلي للحركة، وأتمنَّى على الأخوة الذين لم يُجروا مؤتمرات المناطق ومؤتمر الإقليم الإسراع في عقد هذه المؤتمرات والتجهيز لحضور المؤتمر العام السابع للحركة في الصيف القادم من هذا العام، فنحن علينا أن نستنهض الوضع التنظيمي للحركة على أُسس سليمة لا على أساس حشد تنظيمي فقط للمؤتمر، لئلا يتحوَّل الموضوع لمؤتمر انتخابي فقط عوضًا عن مؤتمر للاستنهاض الحركي للإقليم.

 

هل سيتم عقد المؤتمر العام السابع للحركة في موعده المقرَّر أم سيتمّ طلبُ التأجيل؟

قرار اللجنة المركزية للحركة واضح وهو أن يُعقَد المؤتمر العام للحركة مرة كل خمس سنوات، على أن يكون هذا العام في الرابع من آب، وبإذن الله إذا تمَّ استكمال الإجراءات وتمَّت الانتخابات في الأقاليم مع بداية شهر شباط، وحتى نهاية شهر آذار، فأنا متأكِّد أننا سنتمكَّن من عقد المؤتمر العام للحركة في وقته ومكانه الـمُحدَّدين من خلال لجنة تحضيرية تُكلَّف بفترة زمنية محدودة لأن خريطة المؤتمر معروفة، بخلاف ما حدث في المؤتمر السادس حين استغرق عمل اللجنة التحضيرية وقتًا طويلاً وذلك لأن الوضع كان مُختلفًا، إذ إنَّ المؤتمر جاء بعد عشرين عامًا على آخر مؤتمر عام للحركة، إلى جانب ظروف انتقال القيادة للعمل من خارج الوطن إلى الداخل، وخروج كل الأعضاء والقيادات في الحركة للعمل علنًا.

أمَّا في حال تعذُّر انجاز عقد المؤتمر لأي إقليم من أقاليم الداخل، فعلينا أن نعيَ أن فتح أكبر من الجميع كما هي فلسطين أكبر من كل الفصائل، وبالتالي فلا يجوز الاستسلام لرأي شخص هنا أو هناك، لا سيما أن النظام الداخلي للحركة يسمح بتشكيل لجنة وتعيينها لكي تمثِّل الإقليم الذي لم يعقد مؤتمره، ولكنني أتصوَّر أن جميع الأخوة في الأقاليم المختلفة جادون ومستعدون لعقد مؤتمراتهم وحسب النظام كذلك.

 

كيف تصفون الوضع التنظيمي بالنسبة للأخوة في قطاع غزة؟

الظروف التي مرَّت بها "فتح" وأخوتنا في قطاع غزة نتيجة الانقلاب الذي حصل من قِبَل حماس قد أثّر كثيرًا على الكادر الفتحاوي ممن بقوا في غزة أو حتى خرجوا منها، وقد جرت عدة محاولات لاستنهاض الوضع التنظيمي للحركة في القطاع، ولكن واجهتنا عدة عقبات في الطريق، ونسعى لبذل كل جهد لتذليل هذه العقبات. غير أنني أتصوَّر أن النموذج الذي طُبّق في لبنان قد يكون الخيار الأفضل لنا، حيثُ يوجد في الساحة اللبنانية لجنة للإقليم وهناك لجنة للساحة، وقد يكون من المفيد تطبيق هذه الآلية في قطاع غزة، وهذه وجهة نظري التي سأطرحها على الأخوة في الاجتماع القادم للجنة المكلَّفة باستنهاض الوضع التنظيمي في قطاع غزة، وأنا أحد أعضائها. وحقيقةً أعتقدُ بأن القطاع بحاجة إلى  لجنة سياسية للحركة لها مهام محدَّدة وواضحة على أن يكون عنصر الشباب جزءًا منها ومن لجان التنظيم خصوصًا من المنتمين بوضوح للحركة، ومن غير المتجنِّحين لأي إطار خارج شرعية الحركة، فهذه نقطة هامة أدَّت لظهور الخلل في التنظيم في قطاع غزة، حيثُ أن بعض الذين يتجنَّحون ويتكتلون مع أطر خارج الحركة لا يزالون في أطرها القيادية وهذا لا يجوز، وهم من يعيقون تطور واستنهاض الحركة والعمل في داخل الأطر التنظيمية، ونحن نريد أناسًا وأخوة منتمين لهذه الحركة ولفلسطين أكثر من انتمائهم للأشخاص.

 

ما أهم الانجازات والتحديات التي واجهت الحركة والعمل التنظيمي منذ المؤتمر العام السابق؟

 الانقسام لا يزال ماثلاً أمامنا ومؤثِّرًا على الوضع التنظيمي سواء أكان في الضفة أم في غزة، وإن كان في غزة التأثير بشكل أكبر، وكذلك فهناك مشاكل داخلية في الحركة أثّرت على الوضع التنظيمي هنا وهناك، وعدم الحسم من قِبَل القيادة ضد المتجاوزين أثّر سلبًا على الوضع تمامًا مثل عدم الحسم مع الأفراد الخارجين عن الالتزام بالحركة وبأطرها. وفي الفترات السابقة حسمت القيادة قراراتها ضد المتجاوزين في أوقات وأماكن مختلفة، خصوصًا عندما كانت الحركة تتعرَّض لتدخلات خارجية سايرتها بعض التجنحات والتكتلات من داخل الحركة، ما أدّى لظواهر في الحركة، ولكن هذه الظواهر كانت تنتهي وتبقى حركة "فتح" هي الأقوى، لأنها حركة الشهداء والجرحى والأسرى، حركة العطاء والاستمرار وحركة المشروع الوطني، وهنا أكرِّر بأن على الجميع أن يّتعظ ويتعلَّم من تجارب الماضي ومن الذين تجنَّحوا خارج الحركة، فرغم أنهم حظيوا برعاية من دول إقليمية، فإنهم لم يستمروا وإنما تمَّ عزلهم ولم يعد أحد يذكرهم، وهذا مصير كل من يحاول الخروج والتطاول على الحركة.

 أمَّا بالنسبة للانجازات، فهناك الكثير من الأمور التي تمَّت، بدليل أن الحركة ما زالت محافظة على جماهيريتها في المجتمع الفلسطيني، فأغلب استطلاعات الرأي تشير إلى تقدُّم الحركة- بغض النظر عن رأيي في استطلاعات الرأي ومدى مصداقيتها ودلائلها- وتأييد الجماهير لها، وحتى أن الأحزاب العربية والدول العربية ما زالت ترغب ببقاء حركة "فتح"، وما هذه المهرجانات الحاشدة التي تُقام في مختلف المواقع بمناسبة انطلاقة "فتح"، إلا خير دليل على حجم الالتفاف الجماهيري حول الحركة، سواء أكانت مهرجانات لا مركزية في الداخل والخارج، أو كالمهرجان المليوني الذي أُقيم العام الماضي في قطاع غزة، مما يدل على أن حركة "فتح" كلما واجهت الصعاب التفت ونهضت من جديد. ولذلك فنحن نؤكِّد دائمًا أهمية الوحدة الداخلية في الحركة، وذلك لنتمكَّن من البقاء عند حسن ظنِّ أبناء الحركة وحُسن ظن الآخرين فينا وحتى خصومنا، ولنتمكَّن من استكمال مشروعِنا الوطني.

 كذلك فمن الانجازات التي حقَّقتها الحركة من خلال الأخ الرئيس أبو مازن ومن خلال منظَّمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية انتزاع الاعتراف بفلسطين كعضو مراقِب في الأمم المتحدة وبأغلبية 138 صوتًا في ذلك الوقت، واليوم زادت هذه الأصوات، وهذا الوضع نقلنا من أرض متنازع عليها لأرض دولة تحت الاحتلال، ولذلك فإذا لم تنجَح المفاوضات الحالية بتحقيق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق اللاجئين في العودة، فأقول أنه باستطاعتنا عندها الذهاب لجميع مؤسَّسات الأمم المتحدة ومن ضمنها محكمة الجنايات الدولية التي تخوِّلنا ملاحقة هذا العدو الصهيوني في جميع المواقع الدولية.

واليوم نحن نخوض معركة شرسة مع الاحتلال الصهيوني الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، ولكننا نعلم أن أمريكا اليوم تُغلِّب مصالحها على مصالح الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنها خسِرت العديد من المواقع في الشرق الأوسط، وإذا لم تنجح في إيجاد حل عادل في موضوع القضية الفلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية وحسب قرارات الأمم المتحدة بأننا دولة تحت الاحتلال، فستفقد الولايات المتحدة أي حضور لها في المنطقة.

 

في ظل التغيُّرات الإقليمية والداخلية وظروف المفاوضات إلى أين تتَّجه حركة "فتح"؟

نحن في الحركة اخترنا أن تكون المفاوضات وسيلتنا، وأتمنّى أن ينجح كيري بمهمته مستندًا إلى العدالة والإنسانية، ونحن اليوم نطرح الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية ضمن المشروع السياسي، وإذا لم ينجح فيكون بسبب عدم الضغط الحقيقي من جانب الولايات المتحدة على الجانب الإسرائيلي، وهذا بدوره يكون بسبب تعنُّت الحكومة الإسرائيلية. ومن جانبنا فنحن نتمسَّك بثوابتنا الوطنية لأنها تمثِّل الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية.

وبالنسبة للمصالحة فهي ما زالت تراوح مكانها، وما يصدر على لسان إسماعيل هنية أو غيره من القيادة الحمساوية هو لتجميل الانقسام، وإذا كانوا جادين في إنهاء الانقسام فليتجهوا لتطبيق اتفاق القاهرة وإلى آليات إعلان الدوحة، وحل الحكومة الـمُقالة في غزة خاصة أمام عجزها عن قيادة شعبنا وعجزها عن توفير الحد الأدنى من احتياجات الشعب الفلسطيني في القطاع. أمّا ما أُطلِق عليه الربيع العربي فهو غير دقيق. فالشعار الأمريكي هو الفوضى الخلاقّة، وهناك تناقض بين الفوضى وبين الخلَّاقة، وبالتالي فالولايات المتحدة تستغل الربيع العربي لتحرف المسار تجاه مصالحها، لا بل تجاه المصالح الإسرائيلية، من أجل تدمير الإمكانات العربية والقدرات العربية الذاتية، كي تبقى إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة، ولكن نعود ونقول كل التحية لشعب مصر العظيم ولجيشها العظيم الذي استطاع أن يوقف هذه المؤامرة من خلال ثورة 30 حزيران، ونُحيي أيضًا موقف قيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة الكويت لوقوفهم لجانب الشعب المصري والثورة المصرية ودعمهم لها اقتصاديًا في وجه الحصار المالي الذي حاولت أمريكا فرضه لضرب اقتصاد مصر، واليوم مصر والسعودية تُدركان طبيعة المؤامرة الـمُحاكة ضد أمتنا العربية، وأتمنَّى أن تخرُج سوريا من أزمتها بما يحفظ وحدتها ويحافظ على ما تبقّى من قُدُرات الشعب السوري والجيش السوري، ورغم كل جهودنا إلا أن الدَّمار لحق بمخيماتنا الفلسطينية هناك. ويبقى القول إن معركتنا مع الاحتلال هي معركة عربية إسرائيلية وليست فقط فلسطينية إسرائيلية، والأمة العربية قدَّمت آلاف الشهداء لصالح هذه القضية، وبالتالي فوفاءً لهؤلاء الشهداء وشهداء الشعب الفلسطيني يجب أن يعود الصراع إلى وجهته الصحيحة صراعًا عربيًا إسرائيليًا، ليتوحَّد الداخل العربي على مستوى كل قطر ولتتوحَّد الأمة العربية نحو الهدف المحدَّد، ونتمنَّى أن تكون أُمتنا الإسلامية بوضع معافى.