في أعقاب سياسة التوسع في تسليح المدنيين التي أطلقها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تتوالى الشهادات والبيانات التي تكشف عن مخاطر هذه السياسة وغياب الرقابة على تنفيذها، وسط ارتفاع لافت في عدد رخص حيازة الأسلحة التي مُنحت للإسرائيليين، واستخدامها المتزايد في جرائم جنائية مميتة.
وتشير المعطيات التي أوردتها صحيفة "هآرتس"، يوم أمس الأحد 2025/04/06، إلى أن عدد المواطنين الحائزين على تراخيص سلاح خاص في إسرائيل ارتفع من 172,384 قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى 329,827 حتى آذار/ مارس 2025.
وقد أصدرت وزارة الأمن القومي منذ ذلك الحين أكثر من 205,000 رخصة جديدة، بينما لا يزال نحو 50,000 متقدم في طور استكمال الإجراءات، ولا تشمل هذه المعطيات الأسلحة التي بحوزة عناصر الأمن أو الحراس، والتي تُقدّر بعشرات الآلاف.
وتتم عملية توزيع الأسلحة بلا رقابة تقريبًا، فقد أبلغت الشرطة مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست أنها لا تجمع أي بيانات حول عدد الضحايا الذين سقطوا نتيجة استخدام الأسلحة الخاصة، وأقر مسؤولون في الشرطة بوجود ارتفاع في حالات استخدامها في جرائم جنائية.
وفي تصريح أثار جدلًا واسعًال، قال مستشار لبن غفير المحامي دافيد بافلي، أمام لجنة برلمانية: إنه "منذ عام 2021، لم يُقتل أي مواطن نتيجة استخدام سلاح خاص"، في ظل تزايد حالات القتل باستخدام أسلحة حصل حاملوها مؤخرًا على ترخيص.
ووفق إفادات من داخل الشرطة، فإن لا الوزارة ولا الشرطة تقومان بأي متابعة ممنهجة للتراخيص التي أُصدرت، أو لاستخدامات الأسلحة، باستثناء الحالات التي يتم فيها استخدام السلاح في جرائم قتل، كذلك لا يتم التأكد من تطبيق الإجراء الذي يفرض على حامل السلاح الاحتفاظ به داخل خزنة مؤمّنة في المنزل، ولا توجد بيانات دقيقة حول عدد الأسلحة في كل بلدة أو مدينة.
وقال أحد كبار المسؤولين في الشرطة، في تصريحات نقلتها صحيفة "هآرتس"، "تم توزيع الأسلحة بأعداد هائلة، ومنذ ذلك الحين لا توجد أي رقابة عليها"، وإضافة إلى الاستخدامات الجنائية، فقد باتت هذه الأسلحة متوفرة في حوادث تهديد وإيذاء.
ولفت التقرير إلى قُتل الشاب أفيعاد مريان "22 عامًا" بطلق ناري في رأسه، خلال سهرة في مخزن على سطح مبنى بمستوطنة "معالي أدوميم"، بعدما أخذ صديقه سلاحًا مرخصًا ووجّهه نحوه وأطلق النار، وتشير التحقيقات إلى أن السلاح يعود لصديقهم الذي حصل على الترخيص مؤخرًا، في ظل سياسة التسهيل الحكومي لتسليح المدنيين.
وبحسب التقرير، في نيسان/ أبريل من العام الماضي، اعتقلت الشرطة رجلاً من مدينة أشدود بعدما هدّد شخصًا آخر بسلاحه الشخصي خلال شجار، أما في كانون الثاني/ يناير، فقد أوقف مواطن من كريات غات بعد أن هدّد زوجته وابنتها باستخدام سلاحه المرخص.
وشهدت مدينة القدس أول حالة قتل باستخدام سلاح مُرخص خلال ولاية بن غفير، عندما أقدم رجل على قتل زوجته ثم انتحر مستخدمًا سلاحه المرخص الذي حصل عليه في تموز/ يوليو 2023، وتم العثور عليهما لاحقًا من قبل ابنهما البالغ من العمر 13 عامًا.
وفي هذا السياق، قالت مديرة قسم السياسات في جمعية "حقوق المواطن"، "في ظل الحرب وغياب الأمان، تحقّق حلم بن غفير بتسليح كل المواطنين اليهود، لكن المعطيات تُظهر أن كثرة الأسلحة في أيدي المدنيين، مع غياب الرقابة، تزيد احتمالات استخدامها في الجرائم والانتحار والتهديد، وهو ما بدأنا نشهده فعلاً".
من جهتها، اعتبرت "الحركة من أجل جودة الحكم"، أن المعلومات التي كُشفت بشأن منح التراخيص لأشخاص لا يستوفون الشروط "تؤكد ما قلناه منذ البداية: توزيع الأسلحة من قبل غير المخوّلين قانونيًا هو سلوك خطير ومتهور، منح التراخيص دون معايير صارمة يمسّ بحياة الناس، ولا يجوز أن يُستخدم الأمر كأداة سياسية".
وكانت "هآرتس" قد كشفت أن وزارة الأمن القومي عيّنت موظفين غير مؤهّلين قانونيًا كمفوضين مؤقتين لمنح تراخيص حمل السلاح، من بينهم موظفون في مكتب الوزير، وعاملون في الكنيست، ومتطوعات، تلقوا تدريبًا لعدة ساعات فقط، ثم باشروا منح عشرات الآلاف من التراخيص.
وكشف تدقيق عشوائي أن بعض الرخص مُنحت لأشخاص لا تنطبق عليهم المعايير المطلوبة، وهو ما أدى لاحقًا إلى فتح تحقيق جنائي، شمل رئيس قسم السلاح في الوزارة، الذي استقال وتم استدعاؤه للتحقيق في شبهات تتعلق بسوء الإدارة واستغلال المنصب.
ورغم الانتقادات المتصاعدة، يواصل بن غفير العمل على توسيع دائرة المستحقين لحيازة السلاح، فقد طالب مؤخرًا لجنة الأمن القومي في الكنيست بإقرار تعديلات تتيح منح التراخيص لكل من خدم في الجيش، حتى لو لم يكن يسكن في بلدة مصنّفة "مؤهلة"، كما يعمل على توسيع قائمة البلدات التي يُسمح لسكانها بالحصول على تراخيص، دون النظر إلى خلفياتهم العسكرية.
في المقابل، يواصل بن غفير تصوير هذه السياسة كواحدة من أبرز إنجازاته، إذ يحرص على الظهور في مواقع العمليات التي يتم فيها قتل منفذين فلسطينيين من قبل مدنيين إسرائيليين مسلحين، بينما يتغيب عن تلك التي يتولى فيها الجيش أو الشرطة التعامل مع الحدث، كما لا يأتي على ذكر التحقيق الجنائي الجاري في وزارته.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها