تُعدّ العلاقات القطرية مع أطراف الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي نموذجًا معقدًا يجمع بين البراغماتية السياسية، والدبلوماسية الناعمة، والمصالح المتشابكة، فبينما تظهر قطر كداعم بارز لحركة حماس لاستمرار سيطرتها على قطاع غزة والحيلولة دون توحيد النظام السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، بما يخدم حركة حماس ومشروعها من جهة، ويخدم سياسات إسرائيل في استمرار هذا الانقسام ضمن سياسة فرق تَسد وإعفائها من استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، خصوصًا من خلال الدعم المالي واللوجستي القطري لحركة حماس، فإنها في الوقت ذاته تحافظ على علاقات "هادئة" مع إسرائيل، تتراوح بين التنسيق غير العلني والوساطة النشطة، ما يُثير تساؤلات متجددة حول أدوارها وأهدافها، خاصةً في ضوء الحرب المستعرة نارها في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة.
قطر كوسيط مصلحي نشط ومقبول، يحقق مكاسب إسرائيلية وحماسوية في الوقت نفسه، تستفيد إسرائيل من الدور القطري من زوايا عدة، فمن جهة، تسهّل نقل الأموال القطرية إلى حماس لتخفيف الضغوط الاقتصادية والإنسانية في غزة، ما يساهم عادة في تأجيل الانفجارات الاجتماعية والأمنية التي قد تفرض على إسرائيل مواجهات مكلفة، كما تتيح العلاقة الهادئة مع قطر إمكانية التواصل غير المباشر مع حماس، خصوصًا في ملفات التهدئة وتبادل الأسرى، دون الحاجة إلى اعتراف رسمي بالحركة.
أما حماس، فترى في قطر أحد أهم الرعاة السياسيين والماليين لها ولمشروعها السياسي، في ظل الحصار المتواصل عليها، الدعم القطري يؤمن للحركة استمرارية في الحكم وبنية تحتية لصمودها، وهو ما يمنحها قدرة أكبر على المناورة العسكرية والسياسية، كذلك، توفر قناة الجزيرة قناة قطر مساحة لعرض رواية حماس على المنابر الإعلامية والدولية منها، وتُضفي نوعًا من الواقعية السياسية على حضورها كطرف فاعل في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي هذا المشهد، تبدو السلطة الفلسطينية الخاسر الأكبر من الدور القطري المركب، فتعاظم دور قطر في دعم حماس يمنح الحركة مكانة تفاوضية موازية– إن لم تكن منافسة– للسلطة، ما يهدد مشروعها السياسي القائم على التفاوض مع إسرائيل من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
كما أن توجيه الدعم القطري إلى غزة دون المرور عبر مؤسسات السلطة يُضعف شرعيتها، ويعزز الانقسام القائم.
من جهة أخرى، يتقاطع الدور القطري مع استراتيجيات إقليمية (إيرانية وإسرائيلية وتركيا) أخرى تحاول تخطي منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية باعتبارهما الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، ما يزيد من التحديات أمام إعادة توحيد الصف الوطني، ويعقّد جهود تحقيق تسوية شاملة تقوم على أساس مبدأ حل الدولتين.
وبالإشارة إلى ما بات يُعرف في الإعلام الإسرائيلي بقضية (قطر غيت) يثير شُبهات حول النفوذ القطري وأزمة التوازن في العلاقات القطرية الإسرائيلية، فقضية "قطر غيت"، وما كشفت عنه من علاقات مع مسؤولين في مكتب نتنياهو، تُلقي بظلالها على طبيعة العلاقة بين قطر وإسرائيل، وتثير تساؤلات حول حدود النفوذ القطري في الداخل الإسرائيلي، وإن كانت هذه العلاقات تتجاوز الوساطة إلى محاولة التأثير السياسي، هذا التطور يزيد من هشاشة الصورة القطرية كوسيط محايد، ويدفع الأطراف إلى مراجعة حساباتها إزاء أدوارها.
- هذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول الدور القطري، هل هو لاعب ضروري أم مُربك لبعض الأطراف؟.
رغم كل الانتقادات من بعض الأطراف وخاصة من الجانب الفلسطيني، فإنه يصعب تجاهل دور دولة قطر كفاعل أساسي في ساحة الصراع، خاصة وأنه يحظى بدعم أميركي مزدوج من قبل الإدارات الديمقراطية والجمهورية، سواء في الجانب الإنساني أو السياسي.
لكن هذا الدور، بقدر ما يوفر فرصًا للتهدئة والتواصل، يخلق أيضًا توازنات دقيقة تهدد بتكريس الانقسام الفلسطيني وتضعف فرص الحل الشامل.
وبينما تحاول الدوحة التنقل بين الأطراف المتصارعة على اختلافها، تبقى قدرتها على الحفاظ على هذا التوازن هشة ومرهونة بالدعم الأميركي وبتطورات الميدان، واستعدادها لإعادة ضبط علاقتها بكل طرف بما يخدم ولا يعمّق أزمة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المستمرة والتي تزداد تعمقًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها