بقلم: عمر حلمي الغول

 خاص -مجلة القدس العدد السنوي 333

اثنان وخمسون عاماً مرَّت على  ذكرى الانطلاقة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وما زالت الحركة وقيادتها تحمل راية المشروع الوطني بامتياز. رغم كل الهنات والإرباكات، التي عصفت بالحركة من الداخل التنظيمي، ورغم التكالب من هنا أو هناك من الخارج بكل مستوياته المحلية والعربية والإقليمية، غير أنَّ حركة "فتح" ولجنتها المركزية وقائدها محمود عبّاس، بقيت قائدة النضال الوطني الفلسطيني التحرري بدون منازع، رغم كل المحاولات الفاشلة من القوى المختلفة.

ولعلَّ الإنجازات، التي حقَّقتها الحركة وقائدها أبو مازن في السنوات الماضية عموماً، وفي الثلث الأخير من العام الماضي خصوصًا، لهي دليل على الاستنتاج آنف الذكر. وهنا لا يمكن الفصل بين البُعد التنظيمي الخالص والبُعد الوطني العام، لأنَّ الفاعل الرئيس للإنجازات، هو الرئيس عبّاس ومعه مرؤوسوه في اللّجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة "فتح". ومنها على سبيل المثال لا الحصر: عقد المؤتمر السابع للحركة في الـ29 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي؛ صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2334 في الـ23 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الذي أكَّد أنَّ الاستيطان الاستعماري خطرٌ داهمٌ يهدِّد خيارَ حلِّ الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، أضف لتأكيده على حدود دولة فلسطين بما فيها القدس الشرقية؛ صدور العديد من القرارات الأُمَمية الداعمة للحقوق الوطنية الفلسطينية وخيار السلام خلال الدورة الـ71 للأمم المتحدة، التي أكّدت كلُّها وبغالبية ساحقة حقَّ تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، وحقَّ الشعب الفلسطيني بالسيطرة على ثرواته وأراضيه؛ مصادقة اليونيسكو (منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة) على قرارَين في أكتوبر 2016 أكَّدا عدم وجود أي رابط لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، وأنَّ القدس الشرقية، هي أرضٌ محتلّة، وجزءٌ لا يتجزّأ من أرض الدولة الفلسطينية؛ عقد اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت يومَي العاشر والحادي عشر من يناير الحالي، ومخرجات الاجتماع، التي أكَّدت تشكيل حكومة وحدة وطنية، والإعداد لدورة جديدة للمجلس الوطني؛ وأخيراً عقد مؤتمر باريس في الخامس عشر من يناير الحالي، وما حمله البيان الختامي من مواقف تؤكّد أهمية خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران العام 1967، والتأكيد على أهمية القضية الفلسطينية، كقضية مركزية في المنطقة والإقليم، رغم بروز العديد من القضايا العربية والإقليمية، وأيضًا تأكيد البيان على الخطر الذي يمثّله الاستيطان الاستعماري على عملية السلام وخيار حل الدولتَين، وأيضاً تضمن (المؤتمر) بشكل غير مباشر تعميق عزل إسرائيل دولياً .. إلخ من الإنجازات الأممية والعربية والوطنية.

وهذه الإنجازات ما كان لها أن تتم لولا براعة وحكمة القيادة السياسية الفلسطينية وربّان السفينة الوطنية، الرئيس أبو مازن. وهي تؤكِّد أهمية الدور الذي تمثِّله حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في قيادة الساحة والمشروع الوطني، إذ لم تفت في عضدها كل المنغّصات والتعقيدات المحيطة بالقضية، وبقيت ممسكةً بقوة وشجاعة بدفة القيادة. وتمكَّنت القيادة الشرعية لحركة "فتح" ومنظمة التحرير والشعب العربي الفلسطيني من تخطي حقول الألغام، التي وُضِعَت في طريقها وعلى كل المستويات والصعد.

لكنَّ هذا الدور الريادي له تبعات يحتِّم على القيادة التعامل معها بذات الحكمة والشجاعة، ويفرض عليها مواصلة دورها ومسؤولياتها في العمل على الآتي: أولاً حماية المنجزات التنظيمية والسياسية، التي تحقَّقت خلال السنوات الماضية؛ والتصدي بقوة وتصميم للتحديات المفروضة عليها في النطاقين الداخلي والخارجي. ولعلَّ أبرز تلك التحديات على الصعيد الداخلي، هو طي صفحة الانقلاب الأسود على الشرعية، الذي مضى عليه الآن عشرة أعوام طوال. وهو ما أكّد عليه المؤتمر السابع للحركة. الأمر الذي يتطلَّب من القيادة وضع خطة عمل فتحاوية أولاً ووطنية ثانيًا لإنجاز المصالحة الوطنية. وإذا توقَّفنا أمام البُعد الوطني، فإن المرء يعتقد، أنَّ اتفاق اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت يومي الثلاثاء والأربعاء الموافقين العاشر والحادي عشر من يناير الحالي على تشكيل حكومة وحدة وطنية فصائلية، يعتبر خطوة مهمة على طريق إنجاز المصالحة الوطنية، وطي الصفحة السوداء من السجل الوطني في حال أُعطيَت الحكومة الصلاحيات الكاملة على الأرض في جناحَي الوطن الفلسطيني، وفي حال التزمت حركة حماس بمخرجات الاجتماع المذكور. وعلى الصعيد الداخلي، فإنَّ حركة "فتح" مطالَبة بترتيب بيتها الداخلي، وإعادة الاعتبار لوحدتها، ورفع سوية جاهزيتها للإسهام بقوة في حمل هموم وقضايا الشعب في المحافظات الجنوبية، كما يليق بمكانتها ومسؤولياتها الوطنية، وحصار قيادة الانقلاب عبر التعاون مع الكل الوطني من خلال تعميق الشراكة السياسية، لاسيما أنَّ تجربة الأعوام العشرة الماضية أكَّدت بما لا يدع مجالاً للشك، أنَّ قيادة حماس فشلت فشلاً ذريعًا في إدارة شؤون المواطنين، ممّا أفقدها أي قاعدة شعبية بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولعلَّ المتابع لأزمة الكهرباء الماثلة الآن في قطاع غزة، يجد أنَّها تكشف أكثر فأكثر عن إفلاس تلك القيادة الانقلابية في تأمين حاجات المواطنين الفلسطينيين. وهو ما يمنح حركة "فتح" وباقي أطراف الحركة الوطنية المصداقية الأعلى والأعظم في العودة لتولي إدارة الأمور عبر إعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، وتعزيز روح الشراكة السياسية. وهناك مسؤوليات أخرى ذات طابع تنظيمي وكفاحي، على الحركة القيام بها لتحقيق هذا الهدف الوطني المهم، لا سيما أنَّ المشروع الوطني لا يكون بدون عودة محافظات غزة لحاضنة الشرعية، ولا يمكن للدولة الفلسطينية، أن تقوم بدون أن تكون غزة ومحافظاتها جزءاً أصيلاً وأساسياً منها وفيها.

أمّا التحديات الأخرى، التي تتمثَّل بمواجهة جرائم وانتهاكات دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وغيرها من التحديات، التي تبرز بين الفينة والأخرى على هذا الصعيد أو ذاك المستوى، على سبيل المثال التحدي الجديد الناشئ مع تسلُّم إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتمثِّل بنقل السفارة الأميركية للقدس، تحتاج إلى مزيد من الجهود والكفاح السياسي والديبلوماسي مع الأشقاء والأصدقاء الأُمميين، بالإضافة لتصعيد المقاومة الشعبية السِّلمية، والتوجه للمنظمات الأممية ذات الصلة: الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ولجنة حقوق الإنسان، واليونيسكو، ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وتفعيل اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على الأرض الفلسطينية .. الخ، وتحشيد الرأي العام العالمي وحتى الإسرائيلي في مواجهة تلك التحديات لحماية خيار السلام، وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران العام 1967، وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم على أساس القرار الدولي 194. وبمقدار ما تتمكّن حركة "فتح" وقيادتها من إنجاز المهمَّات الوطنية على الصعيدَين الداخلي والخارجي، بمقدار ما ستبقى قاطرة المشروع الوطني، وحاملة الراية، التي أشعلت نورها في مطلع العام 1965.