لساعات طويلة كنت أفكر بهدف الوصل لجواب عن سؤال متى تقتنع "حماس" بأن طوفانها دمر الشعب الفلسطيني ومقدراته وأن تبادر للإعلان من جانب واحد أنها ستوقف الطوفان وتنهي مأساة  الناس ومعاناتهم، خصوصًا أن محور المقاومة فشل في تغيير المسار.

اصطدم الجواب بأن "حماس" ليست تنظيمًا وطنيًا فلسطينيًا، هي تنظيم يتبع لجماعة الإخوان، وبالتالي تضع مصلحة الجماعة، فوق كل اعتبار، والسؤال ماهي مصلحة الجماعة ومصلحة "حماس"، التي تقتضي عدم وقف الحرب حتى الآن رغم كل ما حصل.

لنحاول معًا التدقيق في مصلحة الجماعة، هل هي تحاول تحرير فلسطين من العدو الصهيوني، لنفترض ذلك، ولكن تكتيكيًا وبعد أن أظهر الطوفان أن إسرائيل دمرت قطاع غزة وأعادت احتلاله، وأن شيئًا لن يغير ميزان القوى راهنًا، كما أن اي طرف لن يتدخل لنجدة القطاع، فإن هذا من الناحية التكتيكية هزيمة يجب وقفها لأن الاستمرار فيها هو معاناة ومأساة وكارثة للشعب الفلسطيني. فرضية أخرى أن حماس، ونتيجة خطأ في الحسابات، تورطت في حرب وأنه يجب دعمها حتى تضمن بقاءها في المشهد. فالسؤال ما ذنب الشعب الفلسطيني، ولماذا يدفع ثمن هذه المراهنات من دمه وممتلكاته ومقدراته؟ ثم هل استمرار هذه المماطلة سينقذ حماس فعلاً أم سيزيد من أزمتها؟

- ونعود للسؤال ما هي مصلحة الإخوان من إطالة الحرب؟

جماعة الإخوان تعتقد أن الحرب واستمرارها ستعزز من مكانتها في الشارعين العربي والإسلامي، وتعزز وجودها في أوساط الجاليات العربية والإسلامية. والحرب واستمرارها تمكن الجماعة أكثر من نشر أفكارها في سياق أنها تحارب إسرائيل، وتدافع عن القضية الفلسطينية، ولاحظنا في الأشهر الماضية، منذ اندلاع الحرب، أن رأيًا ساد بين أوساط الجماهير العربية، أن الجماعة وفكرها إذا استطاع أن يحرر فلسطين فما المشكلة في أن نتعاطى معه ونساهم بنشره؟

وللتأكيد على ذلك، دعونا نلقي نظرة إلى أوساط بعض القوميين والناصريين والعلمانيين واليساريين وتابعنا صفحاتهم الاجتماعية، سنلاحظ ببساطة جنوحهم نحو شعارات الإسلام السياسي وفكره، وأن كثيرين منهم جاهروا بأنهم سوف يلعنون بعد اليوم كل من يتناقض مع الإسلام السياسي، لأنهم بالفعل اعتمدوا انهم وإيران مخلصو الامة.

أما المصلحة الأهم، التي تشكل ركنًا أساسيًا من تفكير جماعة الإخوان فهي المال، فالحرب واستمرارها تدر عشرات الملايين من الدولارات لخزائن الإخوان، من كل المسلمين الذين يتعاطون مع مأساة الفلسطينيين في غزة، سواء من أموال الزكاة، أو من صناديق التبرعات المنتشرة بالآلاف في المساجد وكتب عليها غزة، والسؤال هنا هل وصل شيء من هذه الأموال للناس في غزة؟

وبالنظر للواقع الحقيقي وليس ما يحاول الإسلام السياسي وداعميه تسويقه على عقولنا، ماذا حقق الشعب الفلسطيني منذ أن ظهرت "حماس" ومشروعها الإخواني في المشهد الوطني الفلسطيني وتصدرته في أحيان كثرة؟ الواقع يقول فقط الانقسام وفصل قطاع عزة عن الضفة، وإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وصولاً إلى إعادة احتلال للقطاع بعد ان انسحبت منه إسرائيل العام 2005. واليوم هي وإسرائيل أي حماس ومحورها، ومن موقع مختلف تنقل الدمار إلى الضفة. ونعود للسؤال ماذا لو كانت حماس تنظيمًا وطنيًا فلسطينيًا، ولاؤه لفلسطين وشعبها فقط؟

لو كانت حماس كذلك لما كان اسمها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ولو كانت كذلك لقررت وقف معاناة أهل القطاع وكانت لا تسمح بإعطاء إسرائيل ذرائع بنقل آلتها الحربية المدمرة إلى الضفة بعد أن أنهت تدمير غزة. وهي تعلم تمامًا أن ميزان القوى يميل لمصلحة إسرائيل بالكامل وأن هذا الواقع لا يستطيع تغييره.

بالمقابل لنسائل أنفسنا كما استفادت إسرائيل من حروب حماس، تمامًا كما جماعة الإخوان، مزيد من المال اليهودي في خزائنها، الحروب شكلت فرصة لها لتطور ترسانة أسلحتها وتقوم بتجريبها ميدانيًا على الشعب الفلسطيني.

ماذا لو كانت حماس تنظيمًا وطنيًا؟ لكانت أعلنت فورًا انتهاء عمليتها طوفان الأقصى، لإنقاذ ما تبقى من القضية الفلسطينية.