إذا سلطنا الضوء على أحدث المواقف الفلسطينية والعربية والدولية، فلا بد من رؤية الحقيقة الفلسطينية المتجسدة في جوهرها، فالرئاسة الفلسطينية في بيانها أول أمس جددت التأكيد على أن "قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967". وطالبت الولايات المتحدة الأميركية بإجبار دولة الاحتلال على إيقاف عدوانها، وإدخال المساعدات لإيقاف المجاعة، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، لتتولى دولة فلسطين مسؤولياتها كاملة للبدء بإعادة إعمار قطاع غزة. ورأت في "مضي الاحتلال الإسرائيلي في إنشاء ما يسمى بمحور (موراغ) لفصل مدينة رفح عن باقي القطاع، لتكريس سيطرته الدائمة على القطاع، وتقسيمه إلى بؤر معزولة، تمهيداً للتهجير".

أما القمة الثلاثية في القاهرة خلال الأيام الماضية من هذا الأسبوع، التي جمعت رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي، وملك المملكة الاردنية الهاشمية عبد الله الثاني، مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فقد أثبت القادة الثلاثة رؤيتهم المنسجمة مع الرؤية الفلسطينية، التي تبنتها القمة العربية (قمة فلسطين) في القاهرة، وكذلك منظمة التعاون الإسلامية في شهر مارس/آذار الماضي، إذ أكد البيان على ولاية دولة فلسطين وسلطتها الوطنية، ومؤسسات حكومتها الشرعية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الخامس من حزيران سنة 1967، وباعتبارها وحدة جغرافية وسكانية واحدة، تم إقرارها في القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، على رأسها القرار 19/67 لعام 2012، وعليه فإن البيان الختامي لهذه القمة، يعزز التحالف الدولي والعربي من فلسطين، الذي تقوده المملكة العربية السعودية وفرنسا -الدولة المحورية في الاتحاد الأوروبي- وهذا ما نعتيره تأكيدًا جديدًا للموقف الأوروبي والعربي بخصوص الالتزام بالمواقف السابقة، التي حاولت بعض القوى والجماعات، وحتى بعض الدول الصغيرة استخدام نفوذها للنشر انطباع مخالف.

فقمة القاهرة الثلاثية أكدت: "ان الحوكمة والحفاظ على النظام والأمن في غزة وكذلك في جميع الأراضي الفلسطينية يجب أن يكونا بشكل حصري تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية الممكّنة، بدعم إقليمي ودولي قوي، معربين عن استعدادهم للمساعدة في هذا الاتجاه بالتنسيق مع الشركاء".

أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد منح الوضع في فلسطين الوصف المناسب، الذي يضفي على قرارات المنظمات الدولية التابعة لها: كمحكمة العدل، والمحكمة الجنائية، ومجلس حقوق الانسان، وكذلك المنظمات الحقوقية الدولية، المصداقية حول رؤيتها وقراراتها حول الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والبالغة ذروتها في القتل العشوائي للمدنين الأبرياء -معظمهم اطفال ونساء- والتدمير والتجويع، والحصار، والتهجير الداخلي -النزوح لمرات ضمن حدود قطاع غزة- وقطع مياه الشرب عن سكان القطاع النازحين الذين ما زالوا في بيوتهم، ومنع المساعدات الإنسانية، فغوتيريش وهو المتحدث باسم شعوب العالم بالمحبة والسلام، والمتمثلة عبر دولها وأنظمتها السياسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، منح المشهد الواقعي في قطاع غزة، وصفًا غير مسبوق، بقوله: "غزة أصبحت ساحة قتل والمدنيون محاصرون في دوامة موت لا تنتهي".

وبعد شرح مفصل، عن مسؤولية (إسرائيل) عما يحدث من تجويع للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، باعتبارها الدولة القائمة بالاحتلال، قال غوتيريش: "الفلسطينيون يجب أن يعيشوا في دولة فلسطين جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل. هذا هو الحل الوحيد للنزاع في الشرق الأوسط. لا أحد يجب أن يُجبَرَ على ترك بلده".

إذن نحن أمام اجماع عربي ودولي حول رفض خطط ومقترحات تهجير المواطنين الفلسطيني من أرض وطنهم التاريخي والطبيعي، وضرورة إيقاف الإبادة الجماعية، والحصار، وإيقاف إطلاق النار، وتمكين دولة فلسطين من بسط ولايتها القانونية، والأمنية، الشاملة لمناحي الحياة كافة، عبر وزارات حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، والمؤسسة الأمنية الفلسطينية الشرعية، المقررة في القانون الأساسي الفلسطيني، فدولة فلسطين وحدها القادرة على إعادة إعمار غزة، بدعم ومساندة من الشرعية الدولية، التي تعترف بدولة فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ونعتقد أن الرئاسة الفلسطينية، كانت في أعلى درجات الوضوح في رؤيتها للمصالح العليا للشعب الفلسطيني، المنسجمة مع البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، عندما طالبت حماس في بيانها الصادر أول أمس أيضًا، باقتناص اللحظة، والتعامل بمسؤولية، حيث جددت الرئاسة، مواقفها بكل القضايا والملفات المطروحة آنيا، وطالبت حماس "بتحمل مسؤولياتها والالتزام بالموقف الفلسطيني الرسمي والمبادرات العربية، والتوقف عن اتخاذ أية قرارات غير مسؤولة، لتجنيب شعبنا ويلات هذا العدوان الذي أدى حتى الآن إلى استشهاد أكثر من 50 ألف مواطن، وجرح أكثر من 115 ألف مواطن، وعدم الاستمرار في إعطاء الاحتلال أية أعذار للاستمرار في حرب الإبادة الجماعية كقضية الرهائن التي تستغلها إسرائيل لارتكاب المزيد من المجازر، وآخرها مجزرة مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني الذين قُتلوا بشكل متعمد". فهل من مستجيب؟! أم لا ضمير لمن تنادي؟!