رسالة الطياريين الإسرائيليين التي تدعو إلى رفض الامتثال للخدمة العسكرية تعتبر من الأعمال النادرة التي تحصل في الجيش الإسرائيلي، وهذا تطور نوعي في الرؤيا الإسرائيلية جراء ما يحدث ويدور في المشهد الإسرائيلي، يمكن أن تكون سياسة نتنياهو المثيرة للجدل أحد الأسباب الرئيسية لهذا التطور الذي له افرازاته في المجتمع الإسرائيلي.
قلما نشهد توجهات شعبية إسرائيلية بالتوجه نحو وقف الحرب أو حتى إبراز مواقف تتعلق بالسياسة العامة، والعنف الذي طال أمده في منطقة الشرق الأوسط وخاصةً بين الفلسطينيين والاسرائيليين. أحد أسباب العداء وحالة الكره التي تسود المنطقة هو التعبئة التي يقودها حكام إسرائيل في التحريض المستمر، وعلى كافة المستويات التي من الممكن أن يلمسها من يطلع على الثقافة الموجهة باتجاه الجمهور الإسرائيلي. أدب الأطفال، التعليم والثقافة في المدارس، الثقافة الدينية، الثقافة العسكرية، كل هذه التوجهات وغيرها تشير إلى التحريض المباشر على التحريض ضد الفلسطينيين. ومن المهم الإشارة أن القيادة الإسرائيلية تعمل على مثل التحريض، وأحداث حالة من الرعب في أوساط الجمهور من العرب وشيطنتهم عمومًا والفلسطينيين بشكل خاص.

تعمل القيادة الإسرائيلية على استغلال أعمال المقاومة التي تقودها الأجنحة العسكرية الفلسطينية والعربية لنشر ثقافة الرعب التي تنتهجها ضد العرب عمومًا. وكانت عملية السابع من أكتوبر شماعة لتعزيز تلك السياسة للتحريض على الفلسطينيين، وشيطنتهم، وتصوريهم أنهم حيوانات بشرية. مما حدى باستمرار على التحريض وتوحيد المواقف الشعبية الإسرائيلية لتبرير شن العمليات العسكرية باستعمال القوة المفرطة، حيث أن القيادة الإسرائيلية توهم الجمهور الإسرائيلي أنها هي التي تحمي مصالحهم، وأن مبدأ القوة والعنف هو من يحمي المصالح الإسرائيلية. رائحة الكراهية والشر تنشرها تلك السياسات العدوانية الصادرة عن الصف السياسي والاجتماعي العالي في الكيان الصهيوني.

ولعل هذا ما يفسر توجه الشعب الإسرائيلي إلى التطرف، والتوجه نحو المزيد من اليمين الإسرائيلي، وانحسار اليسار الإسرائيلي إلى الصفر. وهذا هو ما يحقق أهداف اليمين الإسرائيلي لتنفيذ سياسات وأهداف الاحتلال على الأراضي الفلسطينية. ولهذا الفلسطينيون يلتمسون هذا التغيير في السياسات التي تطورت مع مرور الزمن، والانقلاب الذي أحدثه التغيير في السياسات مع الاحتلال الإسرائيلي. وبحجة الدفاع عن النفس ارتكبت إسرائيل وما زالت كل محظور، من أعمال الإبادة والتطهير العرقي والتجويع، والتعطيش ومنع الدواء، ووقف المساعدات الإنسانية، علمًا أن حق الدفاع عن النفس للآخرين محظور ويدخل في ما يسمى بوتقة الإرهاب والإرهابيين.

الرسالة التي نشرها الضباط الإسرائيليين، سبق أن نشرت بعض النخب الإسرائيلية أو بعض من خدموا في الجيش الإسرائيلي أمورًا مماثلة ولكن بقيت على نطاق ضيق، لم تحظى بالانتشار، بالرغم من دعم المنظمات الحقوقية الدولية لها ومحاولة ايجاد شراكات فلسطينية للعمل معها.

يمكن لهذه المبادرة من الضباط الإسرائيليين أن تحدث فرقًا، ليس في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ولكن لأنها تصدرت المشهد الإسرائيلي بناءً على فهم توجهات الحكومة الإسرائيلية التي تبني سياساتها في العلاقة مع العرب والحرب مبنية على مصالح شخصية وسياسية في إدارة الصراع وليس حل الصراع. وهذا هو مربط الفرس الذي يمكن أن يتسع في هذا الفهم وهذا الإدراك لضحض الرواية التي عادة ما تسعى القيادة الإسرائيلية لتسويقها إلى الجمهور الإسرائيلي لنفس الأسباب، وليس لأسباب وطنية.

من المؤكد أن هذا الموضوع من الأهمية بمكان للعمل من أجل تغيير المواقف وضحض المواقف المهترئة التي تحرض على القتل والعنف، وإظهار الدم اليهودي على أنه أفضل دماء الشعوب، وأن الآخرين وجدوا لرفاهية اليهود وإسرائيل.