كثيرون من الناس في الدنيا تزل أقدامهم فيقعون أرضًا، فمنهم من يتابع، ومنهم من يسقط بلا قيام من بعد، وكثيرون من الساسة تزل عقولهم، فيسقطون للأبد في وحل العبث بالأفكار الإنسانية، الداعية للحياة والحرية والسلام، لكن الشاب الطالب التونسي فارس خالد، قد ترك لنا مشهدًا، خلاصته أن لعلم فلسطين الرباعي الألوان (علم العروبة) سرًا، لا يعلم مفاتيحه، إلا المؤمنون بالحق الفلسطيني، وأن زلة القدم، وهذا العلم في يدك تعني الارتقاء والخلود. ففارس خالد، التونسي العربي، الطالب في المدرسة العليا للعلوم وتكنولوجيات التصميم بمنطقة الدندان بالعاصمة تونس، صعد إلى أعلى مكان في بناية شاهقة العلو لتعليق علم فلسطين، ليلامس قبة السماء، كأحسن تعبير عن حبه لفلسطين وشعبها، لكن قدمه زلت، لكن الفكرة حملته في ذاكرة تونس وفلسطين والعروبة، حتى صار "شهيد العلم الفلسطيني". وهذا ما ثبته رئيس دولة فلسطين محمود عباس، الذي  قرر اعتبار الطالب التونسي الشهيد فارس خالد "شهيد العلم الفلسطيني"، ومنحه وسام فارس فلسطين من وسام دولة فلسطين، تقديرًا لتضحيته الجليلة، وإيمانه، بالتضامن مع الشعب الفلسطيني.

لم يكن علم فلسطين رمزًا سياديًا لشعب ودولة فلسطين وحسب، بل صار رمزًا للمناضلين، المؤمنين بحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال والعيش بسلام، وكثيرنا يعلم ممن عاشوا في بلاد عربية، ومنها تونس، أن معيار الانسجام مابين افكار ومبادئ الحرية والتحرر، والعمل لتجسيدها، هو العمل الخلاق من أجل فلسطين، لذلك ليس غريبًا رؤيتنا لعلم فلسطين، حاضرًا في مناسبات الجماهير العربية حتى لو كانت خارج دائرة السياسة، وفعاليات القوى والأحزاب، كمباريات كرة القدم مثلاً، فلعلم فلسطين والكوفية الفلسطينية رمزية ومكانة مشرفة، متكونة كجزء لا يتجزأ من الوعي الانساني لمعنى الحرية، ومنهج التحرر، والأفكار والنظريات التقدمية، لدى شعوب أمتنا العربية وشعوب العالم المحبة للسلام.

شهيد علم فلسطين التونسي فارس، دليل جديد على عمق وسعة حضور فلسطين في عقول وقلوب الشعب التونسي، كانعكاس لحضور تونس وأقطار وطننا العربي في عقول وقلوب الشعب الفلسطيني، فنحن عروبيون بالفطرة، ننضج ونكبر بنقاء الفكرة وتجلي أبعادها الإنسانية، التي لابد من انسجامها مع الفطرة الوطنية لتتألق. فالأفكار والمبادئ السامية الراقية المحلقة دائمًا في فضاء الإنسانية لا تسقط، ولا تنكسر أجنحتها، وإنما في تحليق إلى الأبد.

علاقة الشعوب العربية مع فلسطين تتجاوز الروابط السياسية والجغرافية والاقتصادية والثقافية واللغة والمصير المشترك، ذلك أن كلا منا يعتقد أنه وريث للفكرة، وشريك في تجسيدها بدون عقد أو وصية أو احتساب حصة، فلتونس حصة في فلسطين الثورة والنضال ومبادئ الحرية والتحرر والاستقلال والسيادة والدولة، كما أخذت وما زالت تأخذ فلسطين حصة من تونس، الدولة الوطنية، والحكمة والعقلانية والواقعية السياسية، فالتونسيون والأشقاء العرب يحفظون أشعار محمود درويش الفلسطيني، مثلما نحفظ ومعنا جماهير أمتنا العربية، إذا الشعب يومًا أراد الحياة. فلا بد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلي، ولابد للقيد أن ينكسر، للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وكلمة حق تقال بأن الشعب التونسي وقياداته السياسية الوطنية ورواد الثقافة والفكر  يتمتعون بدرجة عالية من الوعي، تمكنهم من التمييز بين من يستخدم فلسطين، كيافطة وشعار فقط، وبين من يعتقد أنه جزء لا يتجزأ من كفاح ونضال الشعب الفلسطيني، وثقافة فلسطين العربية الإنسانية.

استشهاد فارس مناسبة لتأكيد إيماننا بعروبتنا وأمتنا، وعمقنا الاستراتيجي، فما بيننا وبين تونس والأشقاء العرب، أننا من جذور شجرة طيبة أصلها في الأرض، وفرعها يلامس السماء، وأخيرًا كنا نتمنى الحياة لفارس خالد، لينعم مع أقرانه شباب فلسطين وتونس برؤية علم فلسطين مرفرفًا فوق أسوار مدينة القدس المحررة بكنائسها ومساجدها وبيوتها التاريخية، فالحياة بالنسبة لنا هي الهدف، لأنها سبيلنا للعطاء أكثر، لكن كتاب الارتقاء قد حق، فالروحه السلام والمجد لتونس وفلسطين.