لم يعد المخطط الإسرائيلي المدعوم أميركيًا بإحكام السيطرة والهيمنة على الوطن العربي الكبير مع قرب ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يقع في إطار التحليل وإنما إنتقل لمربع التنفيذ وما يجري من إقامة قواعد أميركية وأوروبية والتوسع بمحاولة إبرام إتفاقيات أمنية وعسكرية ولفرض إدماج الكيان الاستعماري العدواني الإسرائيلي المصطنع في قلب الوطن العربي وتمكينه من كل عناصر القوة والإفلات من المساءلة والعقاب والإمعان بتصعيده للعدوان الهمجي الوحشي من إرتكاب لمختلف أشكال الجرائم والانتهاكات والاقتحامات والتدمير للمدن والقرى الفلسطينية والتهجير القسري للشعب الفلسطيني والتي تندرج جميعها تحت عنوان جرائم حرب إبادة وتطهير عرقي وجرائم حرب وضد الإنسانية إلا دليل بالغ الوضوح والدلالات.

- مخطط إسرائيلي أم أميركي:

السؤال الذي يطرح نفسه بداية هل ما يدور في فلسطين خاصة والمنطقة العربية عمومًا من حروب ونزاعات وعدوان خارجي مخطط إسرائيلي أم مخطط أميركي بأدوات إسرائيلية؟ وهل للكيان الإسرائيلي المارق وحيدًا دون حماية خارجية القدرة على تنفيذ المهمات المترتبة عليه ليعمل وكيلاً أو أداة للمحور الأميركي لضمان استمرار الهيمنة الأميركية وحماية نفوذها ومصالحها في الوطن العربي بأقطاره؟
الإجابة بلا أدنى عناء تؤكد على عجز الكيان الاستعماري الإسرائيلي أن يقوم وحيدًا بوظيفته العدوانية الاستعمارية دون تمكينه من عناصر القوة وتولي مهمة الدفاع عنه كما هو حاصل منذ السابع من أكتوبر بعد أن ثبت هشاشة كيانه ولإدماجه في قلب الوطن العربي بل وبالعالم الإسلامي لتمكينه من قيادة المنطقة في المحطات والمفاصل والقضايا ذات البعد الإستراتيجي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا وثقافيًا في إطار النظام العالمي الجديد بعد فشل النظام العالمي ذا القطب الواحد الآخذ بالتهاوي بتحقيق الأمن والسلم الدوليين وترسيخ مبادئ العدالة وحقوق الإنسان وحق الشعوب بالحرية وتقريرالمصير.

- فلسطين العقبة أمام المخطط الأميركي:

على مدار قرن من الزمن بقيت القضية الفلسطينية وحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه التاريخي وحقه بالعودة إلى وطنه وإقامة دولته العربية الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس أمرًا مركزيًا راسخًا في عقول ووجدان الشعب العربي وعموم المسلمين "بإستثناء فئة قليلة " ولأحرار العالم عجزت القوى الاستعمارية العالمية بكل أدواتها عن محو الذاكرة الجمعية بأن فلسطين التاريخية أرض عربية وبأن "إسرائيل" كيان وافد مصطنع طارئ غير طبيعي في الوطن العربي زرع لمنع الوحدة العربية وليشكل قوة عدوانية استعمارية ضاربة حماية وتنفيذًا للأهداف الاستعمارية بالهيمنة والسيطرة ونهب الثروات العربية مما حدا بالولايات المتحدة الأميركية أن تعمل على تصفية القضية الفلسطينية ليس عبر حرمان و تقويض حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بل بالعمل من خلال منح "إسرائيل" الضوء الأخضر لشن عدوان لم يسجل التاريخ وحشية ودموية تضاهيه بهدف طرده وتهجيره خارج أرض فلسطين التاريخية بهدف تمكين الحركة الصهيونية بأداتها "إسرائيل" من السيطرة التامة على كامل أرض فلسطين خالية من كل لا يدين باليهودية من مسلمين ومسيحيين وما تصريحات قادة الكيان المجرم على إختلاف توجهاتهم بالدعوة إلى قصف غزة بالسلاح النووي وبطرد الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه وهذا ما صرح به بوضوح مجرم الحرب وزير خارجية الكيان الإسرائيلي كاتس يوم الإربعاء الماضي مع بدء عملية إجتياح محافظات طولكرم وجنين وطوباس عبر الإمعان بتصعيد وتكثيف عدوانه الوحشي وبإرتكاب كافة أشكال الجرائم والانتهاكات المعاقب عليها دوليًا بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية وبميثاق الأمم المتحدة تمهيدًا للإنتقال إلى المرحلة التالية من مخطط الهيمنة والسيطرة والتقسيم والتفتيت للأقطار العربية الكبيرة وللدول ذات الموقع الإستراتيجي إستباقًا لولادة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب.

- المطلوب التصدي للمخطط الاستعماري حماية للأمن القومي العربي:

بناءًا على ما تقدم فالمرحلة التالية من المخطط الإسروأميركي يتطلب النجاح بتنفيذ مرحلة تصفية القضية الفلسطينية مما يتطلب من قادة الدول العربية الحذر وعدم التساوق مع المطالب الأميركية ومحورها والتي أحيانًا تأتي ظاهرًا وكأنها لتحقيق مصالح هذه الدولة أو تلك وأن تؤسس لعمل عربي جمعي يهدف حماية أمنها القطري والقومي بدءًا من العمل على إجهاض المخطط الإسرائيلي الهادف لتأبيد احتلاله الاستعماري لأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة وصولاً لتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة والضفة الغربية من نهر الأردن خارج وطنه التاريخي وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين مما يهدد الأمن القومي لكل من مصر والأردن وسوريا ولبنان وبالتالي الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل.

التصدي للمؤامرة الإسروأميركية تتطلب العمل على:
أولاً: دعم نضال و صمود الشعب الفلسطيني في وطنه سياسيًا وماليًا واقتصاديًا ورفض أي حلول إنسانية ومعيشية بديلاً عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع كمقدمة لإقامتها على المساحة المحددة للدولة العربية الفلسطينية بموجب قرار التقسيم رقم 181.

ثانيًا: حيث أن الدول المحيطة بفلسطين المحتلة تقع على قمة الاستهداف والخطر الإسرائيلي المباشر بالمرحلة الأولى من المؤامرة الإسروأميركية بحكم الجغرافيا يستدعي منها المبادرة لعقد قمة خماسية يتمخض عنها تشكيل محور خماسي بشكل عاجل يمثل نواة لإقامة جبهة عربية وإسلامية عريضة يتكون من فلسطين والأردن ومصر وسوريا ولبنان لوضع إستراتيجية موحدة لمواجهة المؤامرة التي تستهدف أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها فقوة هذا المحور يمثل القوة الصادة والمانعة أمام المس بالأمن القومي العربي وما يعنيه من ضرورة وأهمية اضطلاع باقي الدول العربية دعمه وتأهيله سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ولقطع الطريق على القوى الاستعمارية الاستفراد بكل دولة على حدا.

ثالثًا: العمل بدعم ومشاركة عربية عملية لتشكيل جبهة دولية عريضة تتصدى وفق استراتيجية وبرنامج عمل موحد للمخطط الاستعماري العالمي الذي يستهدف بدءًا من فلسطين أمن واستقرار ووحدة أراضي دول العالمين العربي والإسلامي كما يستهدف دول الإتحاد الإفريقي وجميع الدول خارج المظلة الأميركية.

رابعًا: تشكيل إطار دولي من غالبية الدول الأعضاء بالأمم المتحدة للعمل على إعلاء وسمو مبادئ وأهداف وميثاق الأمم المتحدة والشرعة الدولية دون إزدواجية أو إنتقائية وما تتطلبه من ممارسة الضغط اللازم على الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الذي يقع على عاتقه مسؤولية متابعة تنفيذ القرارات الصادرة سواء عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية لاتخاذ كافة الإجراءات والتدابير المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة لإرغام الكيان الاستعماري الإسرائيلي إنهاء احتلاله لأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا إعمالاً وتنفيذًا لميثاق الأمم المتحدة والقرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تحت طائلة التهديد بالإنسحاب الجماعي من عضوية الأمم المتحدة.

آن الأوان للدول العربية بما تملكه من موقع إستراتيجي جيوسياسي ومن ثروات أن تغادر المربع الذي فرضته القوى الاستعمارية على الوطن العربي الكبير بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية من تقسيم وزرع بذور الفرقة والخلافات والضعف ولتجنب استمرار هذا الحال في النظام العالمي الجديد إلى مربع الوحدة والمنعة والقوة والسيادة الحقيقية لتفرض نفسها مع قرب ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لاعبًا فاعلاً على الساحة العالمية بل قطبًا مستقلاً موازيًا للأقطاب الفاعلة حاليًا على الساحة العالمية.
العنوان والبوصلة نحو تحقيق الأمن القومي العربي وفرض الوطن العربي نفسه بأقطاره لاعبًا وقطبًا فاعلاً دوليًا مواجهة التحدي القائم يتمثل في القدرة والنجاح عبر تبني موقف عربي موحد مترافق بإجراءات عملية ضاغطة ورادعة تكفل وقف العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي يصنف وفقا للقانون الدولي بحرب إبادة وتطهير عرقي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وممارسة كافة اشكال الضغوط على أميركا من دبلوماسية واقتصادية ومطالبتها بلغة المصالح أن تأمر مجرم الحرب نتنياهو بوقف فوري لهذا العدوان الذي تقوده أميركا فلولا الدعم بكافة أشكاله السياسي والاقتصادي والعسكري واستخدام الفيتو والإنحياز الأميركي المطلق للكيان الإرهابي الإسرائيلي بتبرير جرائمه تحت ذريعة الدفاع عن النفس لما كان له بداية شن حرب الإبادة والمضي بإرتكابها دون خوف ومساءلة من العقاب خلافًا للإتفاقية الدولية لمنع جرائم الإبادة ولنظام المحكمة الجنائية الدولية كخطوة أولى وفق جدول زمني محدد المدة نحو إنهاء الإحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا بموجب قرار الجمعية العامة رقم 19/ 67/ 2012 وتمكين الشعب الفلسطيني من الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تنفيذًا للقرارات الدولية ولميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر احتلال أراضي دولة أخرى بالقوة ولقرار محكمة العدل الدولية، وبذلك أيضًا يتم تجسيد وترسيخ الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
قوة الحق تعلوا وإن طال الزمن، ولا مكان لضعيف على الساحة العالمية، والاستعمار إلى زوال،  الوحدة والتوافق العربي قوة والصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات الخارجية إذا ما توفرت الإرادة السياسية العليا.