الحكومات والأحزاب والقوى والأشخاص، كل منهم شخصية اعتبارية، لها ملامحها وسماتها وخصالها الخاصة، ووفق التربة والأسس التي نبت فيها أي مكون منها، تتبلور شخصيته، وتتحدد أهدافه وعلاقاته في الوسط الاجتماعي الثقافي والاقتصادي والسياسي، ومن الصعب الحياد عن تلك المنظومة، حتى لو حاولت أي شخصية اعتبارية المناورة ولبست ثوبًا مغايرًا لحين، فإن ما شبت عليه، ستشيب عليه. وبالتالي من حمل راية الوطنية الأصيلة، وبانتماء صادق، مهما تكن الصعوبات والتحديات والإغراءات، لا يمكن الحياد عن أهدافه، ومن ولد في حاضنة فاسدة وموبوءة، لا يمكن التراجع أو التخلي عن مرتكزات بنائه، حتى لو حاول البعض تنظيفه، وغسله من الشوائب والمثالب، سيبقى كما ذيل الكلب الاعوج.

وفي الوقت الذي تعمل فيه القوى الوطنية المختلفة المشارب في الساحة الفلسطينية على توحيد صفوف القوى تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لمواجهة التحديات الصهيونية الأميركية في زمن الإبادة الجماعية في قطاع غزة خصوصًا والوطن عمومًا، إلا أن القوى الانقلابية وعنوانها حركة حماس ترفض مغادرة مربعها وخندقها، الذي ترعرت فيه، وتعاند الواقع المعقد والخطير الناجم عن حرب الأرض المحروقة لليوم الـ356، وتصر على خيارها الانقلابي، رغم أن اليد الوطنية مدت لها لبناء شراكة وطنية جامعة لحماية مصالح وحقوق الشعب العليا، إلا أنها ترفض مغادرة دورها الوظيفي غير الإيجابي في مواصلة دوامة الانقلاب الأخطر على مستقبل الشعب الفلسطيني.

وعشية انطلاق الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أرسلت قيادة حركة حماس يوم الأحد في 22 أيلول/سبتمبر الحالي رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، نشرتها على مواقعها يوم الثلاثاء 24 أيلول/سبتمبر الحالي مع افتتاح الدورة الأممية الجديدة، أعلنت فيها للمرة الأولى اعترافها بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية واستعدادها للانخراط في عملية سياسية بهدف إزالة الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين.

ودعت غوتيريش بالشروع في خطوات عملية وفورية لتحقيق ذلك، ونادت بمواصلة الضغط على دولة إسرائيل اللقيطة ومن يقف خلفها لوقف الحرب في الوطن الفلسطيني والذهاب لبناء ركائز السلام.

وخطورة الرسالة تكمن في الآتي: أولاً- إرسال الرسالة باسمها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، دون التنسيق مع القيادة الفلسطينية، وفي ظل وجود الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة لإلقاء كلمته باسم الشعب الفلسطيني. ثانيًا- عدم ذكر منظمة التحرير الفلسطينية نهائيًا، ممثلاً شرعيًا ووحيدًا للشعب. ثالثًا- السعي من خلال إرسال رسالتها، لتوجيه رسائل للولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأوروبية، بأنها تراجعت عن عدم اعترافها بالقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وجاهزيتها لأن تكون شريكًا في المفاوضات، واستعدادها ضمنًا التخلي عن شعار "المقاومة"، وفق ما تريد إسرائيل وسادتها في البيت الأبيض. رابعًا- إذا كانت تريد المصالحة وتشكيل حكومة توافق وطني تمثل الجميع، ما الذي منعها من أن تذهب أولاً لقيادة منظمة التحرير وتطالبها بإبرام اتفاق المصالحة، طالما هي ألغت اعتراضها على القرارات الدولية، التي كانت مع حركة الجهاد تعتبرها مرفوضة، ولا تقبل بها، حتى الأمس القريب، وآخرها بيان بكين في 23 تموز /يوليو الماضي؟.

للأسف الشديد، أكدت حركة حماس مجددًا، رغم الويلات والمصائب التي نجمت عن 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وقدمت الذرائع لإسرائيل لشن الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، إنها تبحث عن حساباتها الفئوية الضيقة. رغم أن قيادة منظمة التحرير ومن ضمنها وعلى رأس فصائلها حركة "فتح"، أبدوا جميعًا الاستعداد للشراكة السياسية، والتنسيق المشترك في معالجة مختلف الملفات، التي تضمنتها رسالتها لغوتيريش. ألا يعني ذلك، أنها شعرت، بأن القطار سيفوتها في حال لم تنخرط في صفوف المنظمة، طالما تراجعت عن موقفها الرافض للقرارات الأممية، التي تغنت بها في رسالتها المثلومة والغبية، وفاقدة الاهلية؟ ولماذا لم تستبق هذا الموقف، ودعت قيادة المنظمة لإدارة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي طيلة الأشهر الـ11 الماضية من الإبادة الجماعية؟ أليس ذلك دليلاً واضحًا على رغبتها وإصرارها على التمسك بحساباتها الفئوية الضيقة، واجندتها الخاصة؟

رسالة حماس للأمين العام للأمم المتحدة، عكست خيارها الانقلابي، وإفلاسها السياسي، لأن ما ورد فيها عن المصالحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية لا يحمل دلالات جادة لبناء صرح الوحدة الوطنية، وإنما للتغطية على خيارها المعيب والمتناقض مع خيار المصالحة والوحدة الحقيقية لأن من يريد الوحدة، كان عليه أن يعمل وفق الأجندة الوطنية، ويبدأ بـ: أولاً- الوحدة الوطنية، ثانيًا- بالتنسيق في كل صغيرة وكبيرة مع قيادة منظمة التحرير، ثالثًا- عدم إرسال رسالتها لغوتيريش، لأن هناك ممثلاً واحدًا للشعب الفلسطيني يتحدث باسمه، هو رئيس الشعب الفلسطيني، رابعًا- توحيد الوفد الفلسطيني للمفاوضات مع إسرائيل الخارجة على القانون تحت راية منظمة التحرير، بعيدًا عن التفرد، والإصرار على الدور الذاتي على حساب الكل الفلسطيني. وهو ما يؤكد عنوان المقال "من شب على شيء، شاب عليه!".