بعد كل هذا الدمار الذي لحق بقطاع غزة، وبعد كل هذا الدم الفلسطيني الذي سفك في حرب إبادة همجية، فإنه لا يزال هناك مصالح مشتركة بين نتنياهو وحماس، أهمها بالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية أن يبقى قطاع غزة مفصولاً عن الضفة، وبالنسبة لحماس أن تبقى هي من يسيطر على غزة، وما من مشكلة أن يكون ذاك عبر ترتيبات منسقة بالكامل مع دولة الاحتلال، وحتى مع وجود عسكري وأمني لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق محددة في القطاع.

وهنا دعونا ندقق بتصريحات قيادات حماس، جميعها تؤكد أن الهم الوحيد هو أن يبقى هذا التنظيم الإخواني وأن تبقى هي المسيطرة على غزة حتى ولو على شكل نظام إغاثي، ومن جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يقول في كافة المناسبات لا عودة للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى قطاع غزة مهما كانت الظروف.

حماس وبالرغم مما أصابها من تدمير لقدراتها العسكرية، إلا أنها تتصرف بثقة مع مسألة بقاء وجود لها في غزة، ومنبع الثقة أن لدى حماس راعيًا مهمًا يمتلك قنوات قوية مع واشنطن ومع إسرائيل ذاتها، يمكن أن يبلور صيغًا لتفاهمات جديدة بين حماس المنزوعة السلاح وتل أبيب. ومن المهم الإشارة إلى أن لدى جماعة الإخوان المسلمين، والتي منها حماس علاقات تاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية وبالتحديد مع وكالة المخابرات المركزية "CIA" منذ الحرب الباردة وخلال حرب أفغانستان، وفي حقبة ثورات الربيع العربي، وأن هذه العلاقة متواصلة وضمنها مهام متفق عليها بين الجانبين بالرغم من بعض الهزات في تلك العلاقة.

والشيء الجوهري بالنسبة لإسرائيل هو منع كل الاحتمالات التي يمكن أن تقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة معترف بها دوليًا، من هنا يمثل فصل القطاع عن الضفة ركنًا أساسيًا في هذه الإستراتيجية، وحماس من جانبها مستعدة دائمًا أن تكون منخرطة بهذه الإستراتيجية، مقابل أن تبقى الحاكمة لقطاع غزة، هذا الواقع وبعد عام من الطوفان لا يزال قائمًا بالرغم من كل ما جرى.

 وربما من أكثر الأشياء غرابة في المشهد المذكور هو أن حماس على استعداد لأن تقبل بالشيطان أن يكون جزءًا من ترتيبات اليوم التالي على أن تكون السلطة الوطنية جزءًا منها، ولدى نتنياهو الموقف ذاته.

ولكن المهم في كل ذلك هو حماس، فهذا التنظيم الإخواني، الذي يتلون حسب الظروف، يدرك أن له دورًا مركزيًا يبرر وجوده على الساحة، هو منع قيام دولة فلسطينية، ليس لأن الإخوان لا يؤمنون بالدولة الوطنية، وإنما لأن حماس موكلة بمهمة إبقاء الانقسام على الساحة الفلسطينية، لذلك هي متأكدة بأنها ستجد باستمرار مكانًا لها في الترتيبات، خصوصًا أنها تعتمد على دولة خليجية تثق بها واشنطن كل الثقة وتكلفها بالمهمات المتعلقة بترتيب أوضاع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة والعالم.

ليس هناك من دليل على كل ما ذكر أكثر من تاريخ حماس ذاتها منذ أن تأسست عام 1988، فهذه الحركة لم تقبل وفي كل الحقب فكرة الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليس من قبل الاختلاف في طبيعة ومنطلقات كل منهما الفكرية، وإنما لأن هذا هو الدور المنوط بحماس بأن تبقى الطرف المناهض للمنظمة وإشغالها وإضعافها.

لقد وجدت حماس في لحظة تاريخية كان الشعب الفلسطيني فيها أقرب من أي وقت مضى من تحقيق أهدافه، بعد اندلاع انتفاضته الشعبية العظيمة في نهاية العام 1987، وكان دور حماس أكثر وضوحًا بعد اتفاقيات أوسلو، عندما بدأت سلسلة عملياتها التفجيرية بما يلتقي تمامًا وأهداف التيار اليميني المتطرف في إسرائيل بزعامة نتنياهو، فالهدف لدى الطرفين كان في حينه هو إسقاط أوسلو ومنع تطوره إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وبهذا الشأن، وبعد "طوفان" السابع من أكتوبر ماذا قالت المعارضة الإسرائيلية ولا تزال تقوله في وسائل الإعلام، أن نتنياهو هو الذي رعى ونمى حركة حماس وكان يستخدمها لمنع وحدة جغرافيا الدولة الفلسطينية، ووحدة الشعب الفلسطيني لذلك لن يكون مستغربًا أن يعود لاستخدامها وفقًا لشروطه، وحماس المهزومة على استعداد لإكمال الدور وإبقاء الانقسام مستمرًا، والدليل أن حماس لم تبد أي إشارة بعكس ذلك.

ما يحتاج المواطن الفلسطيني سماعه من حماس هو أن تعلن أنها لا تعارض أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية الطرف المعني بترتيبات اليوم التالي، في قطاع غزة. من جانبها أن تقول السلطة لحماس إن لها دورًا عبر المؤسسات الوطنية الفلسطينية، السلطة الوطنية قالت ذلك أكثر من مرة ولكن هل حماس مستعدة للإعلان؟.