بقلم: عبد الباسط خلف

جلس الشاب فادي صلاح على ناصية شارع فلسطين أو "العسكري" كما يتداوله أهالي جنين، وراح يراقب أعمال الصيانة، عقب جولة تدمير أخرى نفذها جيش الاحتلال على مدار يومين.

وقال وهو يروج لقهوته العربية في يوم خريفي: إنها "المرة الرابعة هذا العام التي يتعرض لها الشارع لعمليات تجريف وتدمير واسعة النطاق، لكنها أكثر عمقًا من سابقاتها".

ورأى صلاح بأن هدف جيش الاحتلال من تكرار استهداف البنية التحتية في جنين ومخيمها تحويل حياة الناس إلى جحيم لا يطاق، خاصة مع حلول الشتاء وتشكيل الوحل.

وأحصى الشاب العشريني قرابة 45 اجتياحًا لمدينته منذ مطلع العام الحالي، لكنه أشار إلى وجود ما اسمها "حصانة" لدى المواطنين لعدم اليأس.

وأكد هادي حنتولي، وهو صاحب متجر لمواد البناء، بينما كان يتابع آليات راحت تزيل آثار الاقتحام في الشارع، أن الاحتلال يتعمد تدمير الطريق بعد الانتهاء من صيانته، وهو ما حدث الصيف الماضي.

وأفاد بأن أهالي الحي والتجار أطلقوا مبادرة لصيانة الشارع بتبرعاتهم، وما أن انتهوا من ذلك عادت جرافات (D9) لجولة خراب جديدة.

وتبعًا لحنتولي، فإن تخريب الشارع المقابل لمؤسسة عائلته التجارية دفعه إلى تناول دواء يمنع تجلط الدم؛ من شدة قهره على الطريق.

وتسبب تخريب الشارع، والكلام للشاب العشريني، في صعوبة وصول الزبائن إلى المنطقة، وتكدس الغبار عليها، كما تراجعت الحركة في الطريق الحيوي، وكأن الاحتلال صار يتخصص في ملاحقة الشوارع.

وراح موظفو شركة الاتصالات يبحثون عن كوابل شبكات الهواتف والإنترنت المقطوعة لإعادة ربطها، وقال لؤي حنون، الموظف في إحدى الشركات المتعاقدة معها: إنها "تجري عمليات صيانة للمرة الرابعة، ومن الممكن أن تتكرر مرة أخرى".

ويضع حنون يده على قلبه مع كل اجتياح، خشية تخريب الأعمال التي تمت صيانتها في الشارع الواقع شمالي المدينة، واحتاجت إلى جهود مضنية.

- رئة جنين

وتبعًا مدير شركة تأمين في الشارع عبد الناصر أبو عبيد، فإن تدمير الطريق الحيوي أثر كثيرًا على قدرة الزبائن على الوصول إلى الشركة، معتقدًا أن سبب تكرار التدمير في هذا الشارع، وفي جنين عمومًا هو تحويل المدينة إلى منطقة غير قابلة للحياة.

ورأى أبو عبيد بأن الطريق يربط طرفي جنين الحيويين ببعضهما البعض، ويعتبر رئة للمدينة، كما يشكل حلقة وصل بين طريقين حيويين.

من جانبها، بينت رئيسة قسم الهندسة في بلدية جنين، شيرين أبو وعر، أن الشارع العسكري تعرض للتدمير أربع مرات، واليوم تعجز البلدية عن إعادة صيانته على أكمل وجه؛ بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها، وعدم استجابة المقاولين للعمل دون تسديد ديونهم المتراكمة.

وأكدت أن البلدية بدأت بصيانة الشارع بعد وقت قصير من انسحاب جيش الاحتلال مساء الأربعاء، واستمرت طواقمها حتى الثالثة من فجر الخميس، وتسعى إلى إعادة فتح الطريق وتمكين المركبات والمارة من استخدامه.

وتخشى المهندسة من حلول الشتاء، لأن الطريق مسار لتصريف مياه الأمطار، وفي حال لم تجر صيانته وفق الأصول الصحيحة، فإن مصاعب كبيرة ستواجه المارة والمتاجر على طرفي شارع يمتد لأكثر من 2 كيلو متر.

- طرق مستهدفة

وأكدت أبو وعر أن تكلفة تعبيد الطرقات وإنشاء قنوات لتصريف مياه الأمطار كلف جنين ومخيمها 29 مليون و600 ألف دولار خلال نحو عام، واستهدف الاحتلال طرقات بطول 45 كيلو مترًا، عدا شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات.

ويبدأ الطريق من دوار الداخلية مرورا بدوار البطيخة فدوار الجلبوني وينتهي بدوار المنطقة الصناعية، ويشكل همزة وصل بين شارعي الناصرة الشرقي وحيفا الغربي، ويمر من أراض كانت زراعية خصبة حتى وقت ليس ببعيد، اشتهرت سابقا بزراعة البطيخ.

وقالت هبة الشيخ، التي كانت تمر من المكان: إن "والدها عمل مزارعًا في الأراضي القريبة من الشارع، لكن بعد الزحف العمراني على الحقول تم تحويل القمح والبطيخ إلى رمزين من الإسمنت والمعدن وضعها على دوارين في الطريق".

واستنادًا إلى محمد مسلماني، الذي أقامت عائلته أول بيت في منطقة الشارع عام 1977، فإن الطريق كان ترابيًا، وعبده الاحتلال عام 1984 ليكون طريقًا خارجيًا يربط مقر ما تسمى "الإدارة المدنية" بشارع الناصرة، دون الحاجة إلى المرور من داخل المدينة.

وقال: إن "الاحتلال منع الأهالي من البناء في محيط الشارع لغاية 50 مترًا من الجهتين، وكان مخصصًا لمرور دوريات الاحتلال العسكرية والمستوطنين".

وأشار مسلماني إلى أن البلدية أعادت إنعاش الشارع عام 2011 ووسعته، ثم شهد طفرة في البناء وانتشار المتاجر، وهو اليوم يشهد عمليات تجريف لا تتوقف.