بقلم: حاتم أبو دقة

لم تجد المواطنة النازحة فداء أبو طعيمة سوى الدموع للتعبير عن عجزها في توفير كسرة خبز لتطعم أطفالها الذين أنهكهم الجوع في ظل عدم توفر الدقيق اللازم لصناعة الخبز في المحال التجارية في محافظات جنوب قطاع غزة.

وتؤكد أبو طعيمة أنه لم تدخل ولو كسرة خبز جوف أطفالها الثمانية منذ خمسة أيام لعدم قدرتها على شراء الخبز الذي فاق سعره الخيال.

وتتساءل الأم المكلومة: "كيف لي أن اشتري ربطة الخبز الذي فاق سعرها 40 شيقلاً وأنا لا أملك شيقلاً واحدًا، واعتمد على التكية والدقيق التي كانت تقدمه وكالة الغوث "الأونروا" كمساعدة".

وتضيف أبو طعيمة: أن آخر مرة استلمت فيها الدقيق كانت قبل خمسة أشهر، وبعدها باتت تتدبر أمورها من بعض الجمعيات وفاعلي الخير حتى وصل بها الحال إلى حد الفقدان التام بسبب ارتفاع الأسعار.

وووصل سعر "ربطة" الخبز إلى 60 شيقلاً، علمًا أن تسعيرتها حسب برنامج الأغذية العالمي هي ثلاثة شواقل، بحسب مصادر محلية مطلعة، التي تعزو الارتفاع إلى الازدحام الشديد على المخابز، واستغلال بعض المستفيدين للأزمة واحتكار الدور في الطابور أمام المخابز لشراء الربطة بثلاثة شواقل لبيعها بأسعار تصل إلى 60 شيقلاً.

وتنوه أبو طعيمة إلى أن ما ضاعف من معاناتها وعاظم مسؤولياتها إبقاء قوات الاحتلال الإسرائيلي على اعتقال زوجها دون معرفة مصيره للشهر التاسع على التوالي أثناء اقتحامها لمجمع ناصر الطبي في خان يونس، مبينةً أنها باتت تعيش مرارة النزوح متنقلة بين مدارس عبسان الكبيرة شرقًا ومواصي خان يونس غربًا، منذ "أوامر الإخلاء" المتكررة التي أصدرها الاحتلال قبل خمسة أشهر.

وتطالب أبو طعيمة، باسمها وباسم الأمهات كافة والأسر المحتاجة، المجتمع الدولي بالضغط على حكومة الاحتلال لإنهاء حرب الإبادة على القطاع، ورفع الحصار والسماح بدخول المساعدات دون عوائق.

وتخلو محال المواد الغدائية في محافظات جنوب القطاع من الدقيق بسبب الحصار الإسرائيلي وسيطرة لصوص وقطّاع طرق على شاحنات المساعدات ومنعها من الوصول إلى مستحقيها من النازحين الذين فقدوا منازلهم ومصدر رزقهم وباتوا يعتمدون على المساعدات التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

ويؤكد المواطن إياد أبو صيام، صاحب مخبز اللؤلؤة في مواصي خان يونس أن المخبز متوقف عن العمل منذ أكثر من شهر بسبب عدم قدرته على توفير الدقيق اللازم لتشغيله بسبب ارتفاع الأسعار، موضحًا
أنه نقل المخبز من تل السلطان في رفح قبل اجتياح الاحتلال الإسرائيلي البري للمدينة، إلى مواصي خان يونس، حيث كان ينتج قبل أن يتوقف عن العمل أكثر من ثلاثة آلاف ربطة خبز تغطي جزءًا كبيرًا من القاطنين في مواصي خان يونس ورفح.

وبحسب أبو صيام، فقد كان يعمل في المخبر 32 عاملاً يعيلون أكثر من 200 فرد، باتوا بلا مصدر رزق بعد إغلاقه، معربًا عن أمله أن تنتهي أزمة الدقيق والغاز اللازم لتشغيل المخبز مجددًا، مؤكدًا أن الاحتلال هو المسؤول الأول عما يحدث من مجاعة في جنوب القطاع بإصراره على منع دخول الدقيق والمساعدات.

وتزدحم "تكايا" الطعام التي تقدم وجبات كمساعدة في مواصي خان يونس ورفح بآلاف النازحين في ظل ارتفاع الأسعار وشح الإمكانيات.

ويصطف النازحون في طوابير ينتظرون أوقاتًا طويلة لطلب الوجبة، وفي معظم الأحيان لا يحصل بعضهم عليها لعدم كفاية الكمية المتوفرة.

ويقول المواطن النازح من مدينة خان يونس غسان شراب (45 عامًا): بأنه "يقف كل يوم ينتظر لأكثر من ساعتين ليحصل على وجبة، في الغالب من العدس، وبعض الأحيان لا يحصل عليها بسبب نفاد الكمية"، منوهًا إلى أنه في ظل ارتفاع أسعار الخضروات والمواد الغدائية بشكل عام يضطر للذهاب كل يوم لتوفير هذه الوجبة.

ويؤكد شراب أنه لم يدخل جيبه شيقل واحد منذ بداية الحرب بسبب فقدانه لعمله كعامل بلاط، وبات يعتمد على المساعدات التي تقدمها "الأونروا" والجمعيات الخيرية، منوهًا إلى أن هذه المساعدات تقلصت بعد اجتياح رفح بشكل كبير إلى أن وصلنا إلى أزمة الدقيق وعدم قدرتنا على شرائه بسبب ارتفاع سعره إلى أرقام خيالية، حيث تخطى ثمن الكيس وزن 25 كيلو غرامًا 500 شيقل.

ويناشد شراب المنظمات الأممية والمؤسسات الدولية، بتحمل مسؤولياتها تجاه النازحين الذين فقدوا كل ما يملكون بسبب الحرب، وباتوا عاجزين عن توفير الاحتياجات اللازمة لأطفالهم الذين يكادون يموتون جوعًا.

بدوره، عبّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن استنكاره الشديد لمواصلة الاحتلال عرقلة وصول المساعدات إلى القطاع الذي يعاني من مجاعة حقيقية منذ أكثر من عام.

ويؤكد مدير وحدة التدريب في المركز عبد الحليم أبو سمرة أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة ممنهجة لقتل الإنسان الفلسطيني من خلال فرض حصار على القطاع وتقليص عدد الشاحنات التي تدخل عبر معبر كرم أبو سالم.

ويضيف: إن "الاحتلال انتقل من مرحلة قتل الإنسان في القطاع بالصواريخ والقذائف المدفعية إلى القتل بالحرمان والتجويع"، مشددًا على أن ما تقوم به قوات الاحتلال من إبادة جماعية من خلال استهداف المدنيين وحرمانهم من الحصول على أبسط مقومات الحياة من المأكل والمشرب مخالف للقوانين والأعراف الدولية كافة.

ويطالب أبو سمرة باسم المركز المجتمع الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان، بضرورة الضغط على حكومة الاحتلال وإجبارها على وقف عدوانها على القطاع وفتح المعابر لتدفق المساعدات والتخفيف من حدة المجاعة التي باتت تهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني جنوب القطاع.

ويعزو النازحون ارتفاع الأسعار واختفاء السلع الأساسية من الأسواق إلى سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان القطاع، ويعزّزها جشع التجار وزيادة عدد اللصوص وقطّاع الطرق وتغولهم في ظل غياب القانون وعدم وجود رادع حقيقي يحمي النازح المغلوب على أمره.

ويوم الإثنين الماضي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: إن "قافلة مكونة من 109 شاحنات تحمل إمدادات غذائية من برنامج الأغذية العالمي ووكالة "الأونروا" من معبر كرم أبو سالم مع قطاع غزة قد نُهبت يوم السبت مما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بالشاحنات وفي بعض الأحيان خسارة كامل شحناتها"، مشيرًا إلى أن الإمدادات المطلوبة لإعداد الوجبات الساخنة - التي تقلص حجمها بالفعل - لا تكفي سوى ليومين آخرين قبل نفادها. ولم يتلق نحو مليون شخص طرودًا غذائية منذ تموز/يوليو أو قبل ذلك.

من جهته، حذّر مصدر فلسطيني كبير، الجميع من التعامل أو مساعدة التجار المتورطين والعصابات داخل قطاع غزة وخارجه.

وأكد أن الإجراءات ستُتخذ ضد كل من يثبت أنه على علاقة مع تجار وعصابات لقمة العيش، وسيلاحق في كل بقاع الأرض.

وأوضح: أن السلطة الوطنية الفلسطينية بصدد الانتهاء من تجهيز أسماء كل من يتاجر بدماء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنكوب، ويستغل احتياجاته الإنسانية للثراء والغنى، على حساب رغيف الخبز وقطرة الماء وخيمة الإيواء، مشددًا على أن أسماء هؤلاء المتورطين ستكون في قائمة سوداء، وستتم ملاحقتهم، مهما طال الزمن، ومحاسبتهم، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، والتعامل معهم بقانون كتجار الدم ولقمة العيش.

ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك في قطاع غزة ارتفاعًا حادًا نسبته 19.84% خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي مقارنة مع شهر أيلول/سبتمبر.

ويعود السبب الرئيسي لارتفاع مؤشر غلاء المعيشة في قطاع غزة إلى ارتفاع أسعار معظم السلع نتيجة ندرتها جراء عدوان الاحتلال المستمر منذ أكثر من عام، وما يرافقه من حصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

وخلال تشرين الأول/أكتوبر، بلغ متوسط سعر السميد 24 شيقلاً/كغم، وأسطوانة الغاز 680 شيقلاً/اسطوانة 12 كغم، وعدس حب جاف 14 شيقلاً/كغم، وحمص حب جاف 22 شيقلاً/كغم، وفول حب 14 شيقلاً/كغم، وفاصولياء ناشفة حب 10 شواقل/كغم، والبصل الناشف 96 شيقلاً/كغم، والثوم الناشف 223 شيقلاً/كغم، وزيت الزيتون 71 شيقلا/كغم، وزيت عباد الشمس 106 شواقل/3 لتر، والسكر 38 شيقلاً/كغم، والدجاج 86 شيقلاً/كغم، والبطاطا 66 شيقلاً/كغم، والبيض 189 شيقلاُ/2 كغم، والملح 6 شواقل/كغم، والبرغل 10 شواقل/كغم، ومياه معدنية 4 شواقل/1.5 لتر، والقهوة 108 شواقل/كغم، وسمك البوري 200 شيقل/كغم، والمعكرونة 4 شواقل/350 غم، والديزل 57 شيقلاً/لتر، والبندورة بيوت بلاستيكية 99 شيقلاً/كغم، والكوسا 25 شيقلاً/كغم، والباذنجان 27 شيقلاً/كغم، وملوخية خضراء مفرطة 53 شيقلاً/كغم، والفليفلة الملونة 65 شيقلاً/كغم، وحبوب الأطفال (سيرلاك) 33 شيقلاً/علبة 400 غم.

وعلى مدى 12 شهرًا، سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك في قطاع غزة ارتفاعًا بنسبة 359% في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مقارنة مع الشهر المناظر من العام 2023.

وأسفرت حرب الإبادة وعدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 عن استشهاد 44,056 ألف مواطن، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 104,268 ألف آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.