بقلم: عبد الباسط خلف
هبطت الأحزان من جديد على قباطية، جنوب جنين، وكانت البلدة مسرحًا لاغتيال جيش الاحتلال للشبان رائد عبد الرحمن حنايشة (24 عامًا)، وأنور نضال سباعنة (25 عامًا)، وسليمان عدنان طزازعة (32 عامًا) يوم الثلاثاء.
وأكد شاهد العيان عبد الرازق طزازعة أن وحدات الاحتلال الخاصة تسللت خلسة الساعة السابعة وعشر دقائق صباحًا إلى منطقة جبل المربعة، المجاورة لسوق الخضار بحافلة صغيرة، وسارعت لحصار بيت ملاصق لحظيرة أغنام، وبعد اكتشاف أمرهم وصلت تعزيزات من جيش الاحتلال، وبدأت بإطلاق النار في كل اتجاه.
- من مسافة صفر!
ويقيم طزازعة في بيت متاخم للمنزل المستهدف، ورأى استخدام جنود الاحتلال لنحو 6 قذائف "إنيرجا"، للوصول إلى المكان، وهدم واجهتين من المنزل، ووصول جرافة إلى الموقع.
وقال: إن "جنود الاحتلال وضعوا جثامين الشبان في "فم" الجرافة، وسارت بهم نحو 25 مترًا، ووضعتهم تحت شجرة زيتون، وعادت لإكمال هدم المنزل المكون من طابقين والعائد لأحمد حنايشة".
ووفق شاهد العيان، فقد اقترب جنود الاحتلال من الجثامين وأطلقوا النار من مسدس على رؤوس الشبان عقب استشهادهم، ومن مسافة الصفر، قبل وضع الجثامين في سيارة إسعاف للاحتلال واحتجازها.
وبالكاد استطاع ربحي حنايشة الحديث عن ابن شقيقه رائد، فقال بصوت حزين: إنه "لم يفقد قريبه فقط، بل خسر صديقًا ورفيقًا وابنًا وابن أخ عزيز كان يرافقه كل الوقت".
ورسم العم المكلوم صورة لرائد المبتسم وعفيف النفس والقنوع، والذي أحس بمسؤولية عائلته في سن مبكرة فسارع في الاعتماد على النفس، ولم يكن يشتكي من الظروف الصعبة، ويواجهها بالضحك والمزاح وخفة الروح، مشيرًا إلى آخر لقاء جمعهما أمس الأول، حينما زاره في مزرعة الأغنام وشاهده وهو يحلب الماشية، وأخبره بالانتهاء من أعمال تنظيف المزرعة، فضحك العم، وقال له ممازحًا: إن وقت الزواج قد اقترب.
ويحمل رائد الترتيب الثاني في أسرته، فيسبقه ربيع، ويليه محمد، القابع في معتقلات الاحتلال منذ 11 شهرًا، ثم صادق، وأخت واحدة، بينما تعاني والدته أمراضًا مزمنة منذ سنوات.
وقال: إن "الاحتلال قتل ابن شقيقه خلال عمله في رعاية أغنامه، التي يتقاسمها مع شريكه أحمد حنايشة، كما قتل ابني عمه مجاهد وثائر صبحي بدم بارد عام 2006".
وأشار العم إلى أن رائد خرج من المعتقل بعد عامين، وأراد تأسيس حياة طبيعية، ومساعدة والديه وإخوته إلا أن الاحتلال لم يسمح له بذلك، فقتله وأطلق النار على رأسه حتى بعد اغتياله أمام الجيران، موضحًا أن ربيع شقيق رائد كان متوجهًا لمساعدته في المزرعة، وكان يمسك عبوة الحليب الكبيرة، لحظة محاصرة القوات الخاصة لمزرعته.
- قلوب مشطورة
فيما كان الحزن يعصف بالأب عدنان طزازعة وهو يبوح بقصة فقدان ولده سليمان، وقال: إن "نجله لم يكمل تعليمه، وهو متزوج وأب لطفلين كرمل وأحمد".
وذكر أن فلذة كبده كان يعمل معه في الدفيئات الزراعية بحقول البلدة، ويرافقه في الفترتين الصباحية والمسائية، وأن غيابه خسارة كبيرة تقصم الظهر.
ويحتل سليمان المكان الرابع في العائلة، وهو الابن المدلل بين إخوته محمد ومصعب وكريم.
واسترد اللحظات الأخيرة التي جمعته بابنه مساء أمس الأول، فقد أخذ حمامًا ساخنًا وغادر المنزل.
- بيت وحلم
فيما استعاد بلال سباعنة أحلام ابن شقيقه أنور، الذي بدأ قبل فترة بتأسيس بيته فوق منزل عائلته وشقيقه محمد، لكنه لم يكمله بعد، فرحل هو وبقيت أعمدة البيت وذكريات صاحبها.
وقال: إن "أنور اعتقل لعامين، ودرس حتى الصف الحادي عشر الأساسي، وتنقل بين أعمال البناء والزراعة"، مشيرًا إلى أن ابن شقيقه هو الثالث في أسرته، فيسبقه محمد وبعده نور وعز الدين، إضافة إلى أختين، وقد كان متواضعًا وخلوقًا ومحبوبًا بين الناس والجيران.
وأضاف بحزن واضح: إن "المؤلم اختطاف جثمان أنور، فهذا يعني أن الأحزان ستظل مفتوحة، ولن تبرد القلوب".
بدوره، أكد رئيس بلدية قباطية، أحمد زكارنة، أن البلدة فقدت خلال أقل من عام 22 شهيدًا، اختطف الاحتلال جثامين 7 منهم، هم إضافة إلى شهداء يوم الثلاثاء، أربعة شبان ارتقوا في أيلول الماضي: محمد خالد أبو الرب، وعمر حمزة أبو الرب، وفادي جودت حنايشة، وأحمد عبد الحميد زكارنة.
وأوضح بأن الحزن صار لا يغادر قباطية، فقد كان آخر موعد لها مع فقدان الأبناء في 6 تشرين الثاني الجاري، حين ودعت 4 شبان دفعة واحدة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها