بقلم: سامي أبو سالم

منذ الخامس من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي اجتياحه البري لشمال قطاع غزة، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يحول دون إدخال المساعدات الغذائية والطبية، واستهداف للمستشفيات والكوادر الطبية، ما أجبر الآلاف من المواطنين على النزوح قسرًا من بلدة جباليا ومخيمها وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون وغيرها من المناطق.

وروى مواطنون نزحوا من شمال القطاع، المعاناة التي عاشوها خلال رحلة النزوح، وما ارتكبه الاحتلال من مجازر بحق المدنيين العزّل في الشمال.

وقال المواطن سعيد أبو شرخ: إنه "أضطر للنزوح من بلدة بيت لاهيا قبل أيام بعد الدمار والمجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق المواطنين في البلدة".

وأضاف: أن "قوات الاحتلال تنصب حاجزًا عسكريًا عند بلدة جباليا، وتخضع النازحين للتحقيق، بمن فيهم النساء والأطفال، وتعتدي عليهم وتنكل بهم، قبل أن تسمح للبعض بعبور الحاجز، في حين تحتجز آخرين"، لافتًا إلى صعوبة طريق النزوح في ظل استمرار الغارات من طائرات الاحتلال والمسيّرات التي تطلق الرصاص وتلقي القنابل، حيث استشهد وأصيب عدد من المواطنين أثناء نزوحهم، كما وأشار إلى صعوبة تأمين الطعام والمياه في ظل الحصار المفروض، وإلى المجازر التي ارتكبها الاحتلال في الشمال باستهدافه عائلات بأكملها، ومنع طواقم الإسعاف والإنقاذ من الوصول إلى أماكن القصف لانتشال الشهداء والجرحى، موضحًا أن العشرات من الشهداء ما زالوا تحت الأنقاض، بالإضافة إلى وجود العشرات من المفقودين.

وقال أبو شرخ: "هدف الاحتلال هو تدمير شمال قطاع غزة وقتل المواطنين وتهجيرهم".

من جهته، قال المواطن يوسف خليل (35 عامًا) الذي كان يسكن مع أسرته المكونة من خمسة أفراد في محيط مستشفى الشهيد كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا: أنهم "اضطروا للنزوح بعد ثلاثين يومًا عاشوها من الرعب في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل من الطائرات والمدفعية والمسيّرات، واستشهاد العشرات من المواطنين، وعدم القدرة على انتشالهم من تحت الأنقاض لعدم تمكن طواقم الإسعاف والإنقاذ من الوصول إليهم".

وأضاف: أن عائلتي عمه وابن عمه شطبتا من السجل المدني بعد أن استشهدوا جميعًا حوالي 30 فردًا، كما استشهد شقيقه ولم يتمكنوا من انتشاله من تحت الأنقاض.

وتابع: أنه "خلال نزوحه مع زوجته وأطفاله الثلاثة، واجهوا العديد من الصعوبات، وكانت جثث شهداء وأشلاء في الطرقات والكلاب تنهش بها، وعند وصولهم إلى حاجز الاحتلال تم احتجازه مع عدد آخر من الشبان عدة ساعات، وتعرضوا للتنكيل والاعتداء، واعتقل جنود الاحتلال عدد منهم، قبل أن يفرض على الآخرين التوجه نحو الجنوب، حيث تمكن من الوصول مع عائلته إلى مدينة غزة".

بدورها، قالت المواطنة مريم عوضية التي نزحت مع عائلتها من بلدة بيت حانون: إنهم "اضطروا للنزوح في ظل اشتداد قصف الاحتلال على البلدة، مشيرةً إلى أنهم توجهوا في البداية إلى مدرسة غازي الشوا في البلدة، وقبل أن يصلوها، ألقت مسيّرات الاحتلال "أوامر إخلاء" للمنطقة تطالب المواطنين بالتوجه إلى الجنوب عن طريق شارع صلاح الدين".

وأضافت: أن طريق النزوح كانت صعبة ومحفوفة بالمخاطر، في ظل انتشار دبابات الاحتلال بالقرب منهم، والقصف المتواصل، بالإضافة إلى معاناتها مع طفليها وصعوبة توفير الحليب والحفاضات لهما.

وهذه هي المرة الثالثة التي يجتاح فيها الاحتلال الإسرائيلي شمال القطاع منذ بدء حرب الإبادة قبل أكثر من عام، وذلك بعد اجتياحين في كانون الأول/ديسمبر 2023، وفي أيار/مايو 2024.

ووصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في  فلسطين المحتلة مهند هادي، الوضع في أحد أماكن النزوح شمال غزة بالبائس، قائلاً: "هذا ليس مكانًا يصلح لبقاء البشر على قيد الحياة، يجب أن ينتهي هذا البؤس وتتوقف الحرب، إن الوضع يتجاوز الخيال".

وقال هادي خلال زيارته الأولى للمنطقة، في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، منذ بدء الاجتياح الأخير في شمال القطاع: إنه "سمع قصصًا مروعة من الناس الذين التقاهم في شمال غزة"، مؤكدًا أنه لا أحد يستطيع أن يطيق ما يمر به الناس في القطاع.

وتابع: "هؤلاء هم ضحايا هذه الحرب، هؤلاء هم الذين يدفعون ثمن هذه الحرب - الأطفال من حولي هنا، والنساء، وكبار السن".

وأضاف: "ما رأيته الآن يختلف تمامًا عما رأيته في شمال غزة في أيلول/سبتمبر الماضي، في هذه المدرسة، كان 500 شخص يقيمون فيها، والآن هناك أكثر من 1500 شخص، هناك نقص في الغذاء، ومياه الصرف الصحي في كل مكان، وكذلك تنتشر النفايات والقمامة".

ويضطر المواطنون خلال نزوحهم إلى اللجوء للمدارس أو لمنازل أقربائهم أو معارفهم، والبعض يقيم خياما في الشوارع والمدارس أو حتى الملاعب والساحات، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض.

وأسفرت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصل على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عن أكثر من 145 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وبلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء الحرب مليوني شخص من أصل 2.3 مليون إجمالي عدد السكان قبل الحرب.

وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، مجازرها بغزة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.