بقلم: فاطمة إبراهيم 

في شارع مدمر بالكامل، يحاول شابان بأدوات بسيطة فتح باب محلهما التجاري، بعد تخريبه من قبل جرافات الاحتلال الإسرائيلية، مساء الثلاثاء الماضي. بينما ينتشر المواطنون على طول الشارع الذي تحول لأكوام من الحجارة والأتربة في المنطقة التي يطلق عليها المواطنون دوار النسيم في مدينة جنين شمال الضفة الغربية.

يقول المواطن نسيم (44 عامًا) الذي سمي الدوار، نسبة لمحله التجاري، المقام منذ سنوات في الحي: "غيروا معالم الحي بالكامل".

ويضيف: "صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم تدمير الحي بعد اقتحام الاحتلال، لكن حجم الدمار هذه المرة كبير جدًا، كأنهم في كل مرة يحاولون إيصالنا لنتيجة أن لا مستقبل لكم هنا، وأن مصير حياتكم ستكون الدمار والخراب فقط، لا يمكن التعايش في هذه الظروف، ولم يبق محال، ولا منازل ولا شوارع، يريدون أن نرحل، هذا هدفهم".

وكانت جرافات الاحتلال قد جرفت الحي الشرقي في مدينة جنين خلال اقتحام استمر 48 ساعة متواصلة، وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى لتدمير البنية التحتية في الحي، إلا أن الدمار كان أوسع، وأكثر تأثيرًا، إذ جرف الاحتلال الشوارع المجرفة أصلاً في اقتحامات سابقة، وتوسعت عمليات التدمير لتطال مداخل المنازل وبعض المحال التجارية، كما "مسح" دوار النسيم بشكل كامل، وطال الدمار أجزاء كبيرة من ملعب البلدية وكامل شارع المدارس الذي يربط بين مدينة جنين وقرى شرق المحافظة.

ويقول أهالي الحي: إن "قوات الاحتلال تتعمد اقتحام المدينة وتخريب بنيتها التحتية خاصة مع قرب حلول فصل الشتاء، ومع نزول الأمطار، لأن ذلك يعني استحالة المشي في الشوارع المدمرة".

وعلى جانب الشارع الواصل إلى الحي، أقام طفل يبلغ من العمر (12 عامًا) بسطة للخضار، وبدأ بمحاولة البيع، يقول: إن "مشاهد الدمار أصبحت معتادة في الحي، لكن ذلك لن يمنع الأهالي من العودة لحياتهم، لأنهم أصحاب هذه المدينة ولن ينجح الاحتلال في تدميرها ما داموا موجودين فيها، ويعملون على إعمارها في كل مرة من جديد".

وقال محافظ جنين كمال أبو الرب: إن "الاحتلال دمر 4-5 كيلومترات من شوارع المدينة خلال هذا الاقتحام، وإن كل كيلومتر يكلف قرابة مليون دولار لإعادة تأهيله".

وأضاف: "نحن نعمل في ظروف صعبة للغاية، مدينة جنين ومخيمها تعرضا لعشرات الاقتحامات، وفي كل اقتحام يكون التدمير أكبر، اليوم نحاول أن نقوم بتأهيل إسعافي لكل ما تم تدميره، خاصة أننا على موعد مع منخفض قريب يؤثر على البلاد"، مؤكدًا
أن الطواقم العاملة في جنين تعمل تحت ظروف استثنائية، خاصة مع قلة الإمكانيات واستمرار احتجاز الاحتلال لأموال المقاصة، ما يعني نقصًا في الأموال اللازمة لإعادة التأهيل والإعمار في المدينة والمخيم.

وقال: "أطلعنا رئيس الوزراء على حجم الدمار في المدينة والمخيم، وبتوجيه من القيادة، بدأت الطواقم في وزارة الأشغال وبلدية جنين إضافة إلى بعض البلديات المساندة لنا كبلديتي قباطية وطولكرم بإزالة الركام والترميم الإسعافي للشوارع، حتى يتمكن المواطنون على الأقل من السير فيها وقضاء حاجاتهم الشخصية والالتحاق بوظائفهم".

وأكد أبو الرب أن ما حدث خلال الاقتحام أثر بشكل كبير على حياة المواطنين، وبداية التأثير كانت على جانب التعليم حيث تحول للدوام الإلكتروني بسبب صعوبة سير الطلبة في الشوارع المدمرة، إضافة لفيضان مياه الصرف الصحي في الطرقات.

كما تشهد الشوارع المؤدية لمستشفى جنين الحكومي صعوبة في سير المركبات بعد تجريفها، إضافة لتكرار الاعتداءات على مركبات الإسعاف وطواقم الهلال الأحمر خلال نقل الإصابات والمرضى خلال أيام الاقتحام.

وفي مخيم جنين، خرج الناس لتفقد ممتلكاتهم بعد ليلتين عاثت فيهما جرافات وآليات الاحتلال خرابًا في معظم حارات المخيم.

وسط ساحة من الدمار الكبير، كان الناس يسألون عن أحوال بعضهم، وتحديدًا أمام عيادة وكالة الغوث التي تمثل المركز الصحي الوحيد فيه، وتقدم خدمتها الطيبة لأكثر من 16 ألف مواطن.

يقول صاحب دكان دمره الاحتلال: إن "الجرافة دمرت مصدر دخله الوحيد، والذي يعيله وعائلته".

ويضيف: "الاحتلال يريد أن نترك المخيم، كل هذا الدمار الذي تحدثه الآليات العسكرية هدفه ترحيلنا من هنا، لكن نحن كلاجئين في هذا المخيم لا يوجد مكان نذهب إليه، في حال فكرت ترك المخيم فالمكان الذي أنتمي إليه هو حيفا، نحن لا نملك سوى منازلنا ومحالنا في هذه البقعة من الأرض بعد تهجيرنا من مدننا وقرانا في النكبة"، مؤكدًا أنه في كل مرة يتم تدمير ساحة المخيم، وتجريف شبكة الصرف الصحي فيها، لكن اليوم امتد التدمير ليكون أكثر قربًا من عيادة الوكالة، وهذا يؤكد قرار إسرائيل بإلغاء أعمال وكالة الغوث في فلسطين وفي مخيمات الضفة.

وتحدث مدير لجنة الخدمات في مخيم جنين محمد الصباغ عن تعمد الاحتلال تدمير وإحراق قرابة 18 منزلاً في المخيم، ما يعني تشريد سكانها مع قرب حلول فصل الشتاء.

وقال: "المختلف في هذا الاقتحام أن الدمار كان أشد وأكبر وطال غالبية الأحياء والشوارع التي لم تمكن مدمرة في الاقتحامات السابقة".

وأكد العمل على الاستجابة السريعة لإغاثة المتضررين، خاصة من فقدوا منازلهم ومن تضررت أجزاء منها من خلال محاولة تأمين منازل بالإيجار لهم خارج المخيم، مبينًا أن "هدف حكومة الاحتلال واضح جدًا وهو جعل المخيم بيئة غير صالحة للعيش وبالتالي رحيل الناس عنه، لمحو المخيم وفكرة المخيم من الوجود".