القمة العربية تستضيفها العاصمة القطرية الدوحة، تنعقد في قلب الاحداث العربية التراجيدية التي بدأت منذ اكثر من سنتين،وهي احداث لا يمكن ان ندعي ان النظام الاقليمي العربي كان له فيها رؤية واحدة متفق عليها، او دور فاعل يمكن الاستناد اليه، ولعل الدور الابرز الذي قدمه النظام الاقليمي العربي هو تقديم الغطاءات المجانية للقوى الدولية وخاصة حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، كما حدث في التجربة الليبية، وكما يحدث في التجربة السورية الآن، وقد التقت الحكمة اليمنية مع الحكمة الخليجية بحيث ينمو المشهد اليمني الى حد ما من العنف التفجيري واعتقد ان الموقف الدولي ولأسباب استراتيجية، وخاصة على صعيد الامن في البحر الاحمر ومداخل المحيط الهندي، كان متوافقا مع هذه الحكمة اليمنية والخليجية.
ولكن الوضع في المنطقة ما يزال بعيدا جدا عن الاستقرار، وعن تشكيل الملامح النهائية،فما زال الملف النووي الايراني قائما، وما زالت اسرائيل تتنكر لفرص السلام المتاحة التي تجسدها مبادرة السلام العربية !!! وما زال السلاح يتدفق بكميات غير منضبطة الى المنطقة وخاصة في سيناء والبر المصري، وفي سوريا ولبنان، وحين يتدفق السلاح بهذا الشكل المفتوح فان كل المخاطر تستمر قائمة، وما تزال تجربة الاسلام السياسي في الحكم تثير الاسئلة والمخاوف في آن واحد،فقد راهن الاسلام السياسي على الاستجابة للضرورات والاحتياجات الاميركية والإسرائيلية، اكثر من الاستجابة لشركاء الوطن في أي دولة عربية،وقد لا ينجح النظام الاقليمي العربي في الاتفاق مع كل شيء في هذه القمة، ولكننا نأمل الاتفاق على ترتيب الاولويات، ودعم الفرص المتاحة امامنا عربيا، وهذا امر ليس سهلا، ويحتاج الى كثير من الارادة، والرؤية المستقبلية،والإخلاص، لأنه في نهاية المطاف لن يتبرع احد بخدمة قضايانا، والحرص على نجاحنا اكثر منا وبالتالي فان المبادرات يجب ان تنطلق منا نحن عربيا، وهذا ما دفعني الى التأكيد على ضرورة، ترتيب الاولويات.
وابدأ بموضوع طارئ، ما كان له ان يحدث، وما كان له ان يتوحش الى هذا الحد، وهو الانقسام الفلسطيني، الذي ثبت من البداية انه كان صناعة اسرائيلية واستثمارا اسرائيليا،وأننا لم نجن من ورائه سوى الآلام والخسائر وان وقت الرهان على الاوهام المرتبطة بهذا الانقسام قد انتهى، وتريد الآن ان نتخلص من هذا الانقسام حتى لا يكون مدخلا للطعن في اهليتنا الفلسطينية والعربية.
وبدون شك، فان الدول العربية لم تبذل الجهد المطلوب في اطفاء هذا الانقسام، حتى الاتفاقات التي وقعناها بشكل رئيسي في القاهرة وفي الدوحة تراجعت امام عمليات احراق الوقت المتعمدة، مرة تحت عنوان الافتعالات التي لا معنى لها، او تحت عنوان الخلافات داخل حركة حماس نفسها، مثلما جرى بعد اعلان الدوحة في شباط فبراير من العام الماضي، او بسبب رهانات وهمية اخرى قادمة من هنا وهناك.
الآن، والموقف العربي يبدو مبشرا اتجاه القدس حتى وان جاء متأخرا، لدينا امل ان تضغط القمة العربية باتجاه انهاء الانقسام وانجاز المصالحة، اذ كيف يمكن ان نتوحد حول القدس التي توحد العالم كله حولها واعتبرها عاصمة الدولة الفلسطينية في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الاخير، بينما نبقى نحن مزقا في يد الانقسام.
الارادة العربية هنا مهمة جدا، الارادة الجادة والمتبصرة، التي تؤمن ان اللعب في الملف الفلسطيني من أي طرف عربي هو امر خطير جدا، وان عبقرية القضية الفلسطينية تكمن في صلاحيتها لتكون ارض اللقاء العربي،وقاعدة الابداع العربي، ومحفز النهوض العربي، اما التلاعب بالقضية والخلاف حولها فهو الضرر الفادح الذي يهدد الجميع.
تأتي قمة الدوحة في الوقت الحاسم وفي قلب الاحتياجات والضرورات العربية، ونأمل وندعو ان تدار بالحكمة والحيوية القطرية المعروفة بما يتناسب وزخم اللحظة التاريخية الراهنة وضروراتها الملحة.