الشاعرة الفلسطينية نهى عودة

أنا ماجدة الصالح من بلدة صفُّورِيَّة، ووالدي هو حسن الصالح الصفُّوري من مواليد صفورية للعام 1901، غير أنّه بعد الانتقال إلى لبنان بعد عام النكبة 1948، سُجِّل بأنّه من مواليد 1906، وذلك من أجل استخراج هويّات شخصية للاجئين الفلسطينيين.

والدتي هي نجمة عبد الكريم عبد العزيز وهي من مواليد عام 1928 وأيضا من بلدة صفورية، كان والدها من أغنياء البلدة وأحد وجهائها وله الكثير من الأراضي الزراعية في صفورية وفي بعض القرى المجاورة أيضا، وكان له مَضافة خاصة ومائدة طعامٍ لاستقبال القريب والغريب وعابر السبيل.

كان لجدّي (والد أمي) من الأبناء سبعة ذكور وسبعة إناث. كانت حياتهم في صفورية جميلة جدا ولم يعانوا يومًا من ضيق الأحوال المادية أو المعيشيّة، كانوا يزرعون أرضهم بكل ما لذّ وطاب من فاكهة وخضار، بالإضافة إلى حقول القمح والشعير والمُلوخيّة وهي التي اشتهرت بها بلدتِي صفورية. 

وكان كبار السنّ يجتمعون دائمًا في دار المَضافة ليشربوا القهوة، ويتسامرون ويتحدّثون عن مواسم الفلاحة ومحاصيلهم الزراعية، ولم يكن يشغل بالهم أيّ شيء سوى قضايا حياتهم اليومية.. فقد كان الهدوء والطمأنينة سيّد الموقف آنذاك. وكان بعض أهالي صفورية يشتغلون في "الكومباوند" الألماني، ولم يشتكوا من الألمان في المعاملة، بل كانوا مطمئنين لهم حتى أنهم اعتبروهم فلسطينيين ولا يُمكن أن يأتي الخطرُ من طرفهم..

توفي جدّي عندما كان والدي في التاسعة من عمره. وكان صغيرًا جدا على تحمُّل مسؤولية أشقّائه، فقد كان له أخٌ في عمر الستّ سنوات وأختٌ تبلغ السَّنتين من عمرها. لكن الله برحمته وفضله سخّر لهم جارتهم الألمانية فتبنّتهم وحضنتهم بمحبّتها وعطفها إلى أن كبروا وتزوّجوا جميعًا. وقد انضمّ والدي، منذ كان صغيرًا، إلى العمل الفلاحي مع أفراد عائلة المرأة الألمانية، ووفّقه الله بعد سنين من الكدّ والجهد فصار من مُلاّك الأرض وله أراضي يزرعها ويجني خيراتها. 

عندما أصبح والدي في الرابعة عشر من عمره شهد الحرب العالمية الأولى، وقتها كانت فلسطين تحت سلطة الاحتلال الإنجليزي الذي كان يقيم مستعمرات صغيرة لتشجيع اليهود على الهجرة إلى بلادنا. وكان والدي مع مجموعة من الشباب يكرهون وجود اليهود حول قُراهم وبلداتهم وذلك لحقارتهم ودناءتهم.

بادر والدي مع الشباب الذين انتمى إليهم بتنفيذ عمليّات هجومية ضد أولئك اليهود، فكانوا يُخرِّبون ويُحرقون ما يستطيعون الوصول إليه من ممتلكاتهم، ويُجمّعون ما يستطيعون من أسلحة دفاعية بسيطة حتى بنادق الصيد، بل عملوا على تصنيع القنابل اليدويّة.. ربّما لم تكن ملامح المؤامرة الإنجليزية الصهيونية قد تجلّت من هجرات اليهود إلى فلسطين، غير أنّ الرؤية كانت واضحة بالنسبة إلى مجموعاتٍ من الشباب الفلسطيني، مثلما هو الحال بالنسبة للمجموعة التي انتمى إليها والدي.. كان ذلك قبل أن يتبلور الوعي وتظهر حركات المقاومة المنظّمة مع المجاهد الشهيد "عز الدين القسّام".