دول استعمارية، ودول وقوى اقليمية عملت قبل أكثر من مئة وعشرين عامًا، وما زالت حتى اليوم  تعمل على استغلال القضية الفلسطينية "الحق الفلسطيني" لأخذها ورقة مساومة لكسب أكبر مساحة ممكنة من النفوذ في الإقليم، لكن المؤلم أن شعوبًا وقوى عربية لم تقرأ جيدًا التجربة الفلسطينية المعاصرة منذ تاريخ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، حيث تجلت فيها معارك الدفاع عن القرار الوطني المستقل السياسية بأحسن صورها، والميدانية بنتائجها المثمرة في الإبقاء على منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني، باعتباره صاحب القرار الأول والأخير في تقرير مصيره، والتحولات الاستراتيجية والتكتيكية في مسيرة كفاحه ونضاله الوطني، فحركة التحرر الوطنية الفلسطينية صممت لنفسها حالة توازن في ميدان معقد ومتشابك ومتناقض في حيز الأهداف، وتقاطعات المصالح، واستطاعت بنفس الوقت الحفاظ على عمقها العربي رغم تناقضات كانت ولا تزال قائمة، وبنفس الرؤية الحفاظ على إبعاد الحق الفلسطيني لدى الأمة الإنسانية المتعددة الأعراق والأجناس والعقائد والثقافات والفلسفات السياسية والاجتماعية، أما نقطة الارتكاز لهذا التوازن فكانت ولا تزال الحفاظ على جوهر الانتماء الوطني والعروبي والإنساني نقيا، بمعنى تحصينه من تغلغل مرض الولاء لغير الوطن "الأرض التاريخية والطبيعية، والشعب بثقافته الوطنية وجذوره الحضارية الإنسانية"، وفي هذا السياق نجزم أن قوى إقليمية، انخرطت في تنفيذ مخططات استعمارية– صهيونية واستخدمت قوتها العسكرية الحربية، لإجبار قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية "فتح" على السقوط في فخ التدجين، ثم الولاء الأعمى لها، ثم تنفيذ أجنداتها حسب الأوامر بلا نقاش، كتشكيل، يكلف بمهام قذرة لصالح منظومتها الأمنية والسياسية، لكنها لم تجد ضالتها إلا في جماعات وتنظيمات فئوية، لا تقر بالانتماء الوطني بأبعاده العروبية والإنسانية، ومنذ أربعة عقود استطاعت النفاذ إلى الصرح الوطني، عبر جماعات إسلاموية متعددة والبدء بتخريب قواعده وركائزه، وفعلاً نجحت جماعة الإخوان المسلمين باستغلال القضية الفلسطينية، وشكلت فرعها المسلح "حماس"، لكن ليس قبل إخفائه وراء رداء الدعوة الجمعية الإسلامية في غزة، الذي عرف بمسمى المركز الاسلامي، وإسناده بترخيص من جهاز الشاباك الأمني الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين بدأت الجماعة بإحداث تناقضات عميقة في مكونات الشخصية الوطنية، وتشققات وانكسارات أثرت على متانة وصلابة وقوة البناء الوطني الفلسطيني، ولولا خلو الشعب الفلسطيني من أمراض المذهبية، والكراهية والعدائية الطائفية، لكانت النتائج كارثية ومضاعفة عما نشاهده ونلمسه في دول عربية فتكت بها الجماعات الاسلاموية، فنجحت عمليات السيطرة بقوة السلاح "الانقلاب" على جزء من فلسطين، لتأبيد حالة انفصال مانعة لوحدة الوطن، ومحاولة من منظومة الاحتلال الصهيوني الداعمة، لتكريس حالة انفصال على صعيد الشعب الفلسطيني، وتكريس حالة انفصام في الشخصية الوطنية  الفردية والجمعية، وبذلك نجحت دولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية، في تفجير منبع ذرائع يمكنها من تنفيذ مخططاتها وتجديد مشروع الاحتلال والاستيطان وتوسعته، ولبدء حروب إبادة جماعية لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، ولمنع إرادة الشرعية الدولية من التبلور وفقًا لقراراتها وقوانينها، بعد اعتراف 149 دولة بفلسطين.

لقد دفع الشعب الفلسطيني أثمانًا دموية باهظة نتيجة انقياد حماس برغبات وقرارات قوى ودول إقليمية، التي ثبت للقاصي والداني وكل عاقل في هذا العالم، أن فلسطين والقدس والمقدسات، ليست في قائمة حسابات هؤلاء أبدًا، فالحرية والتحرر والاستقلال والسيادة لا تحتمل الازدواجية، فالنظام الإيراني الذي يحتل أرضًا عربية، ويضطهد ويميز على أسس مذهبية، لن تستمر خديعته، وستكتشف شعوب الأمة العربية عمومًا وشعب فلسطين خصوصًا، أن أهدافه المذهبية، وضرب وحدة الشعوب والأمة العربية، أقرب إليه من سواد العين إلى بياضها، أما حرية وتحرير القدس فبعيدون عنها زمنيًا بمقدار مليار سنة ضوئية وأكثر.