خاص/ مجلة القدس

حوار/ منال خميس

 

أكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني يحيى رباح،أن الرئيس محمود عباس منذ توليه مسؤولية السلطة الوطنية الفلسطينية حظي بمصداقية عالية عربياً وعالمياً،ونجح في جعل القضية الفلسطينية جزءاً عضوياً من التوافق العربي، واعتبر رباح أننا حالياً نخوض ذروة الاشتباك السياسي بين السلطة الوطنية، والحكومة الإسرائيلية التي يحتشد فيها خلاصة اليمين الديني واليمين العلماني في إسرائيل، اللذان لم يسبق لهما أن تصالحا إلى هذا المستوى في الستين سنة الماضية. ويرى رباح أن عسر المفاوضات، و اختناقها الحالي، ربما يكون المدخل لتعاطي دولي مباشر أكثر اتساعا في تجليس فكرة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع.ولفت رباح الى أن إسرائيل تهرب الآن إلى اتجاه جديد – كما هي العادة – وقد يكون العدوان على غزة احد الوسائل لهذا الهروب لتشغل العالم بمناشدات وقف العدوان. وأكد رباح على أنه لابد للمصالحة الفلسطينية من بيئة ضاغطة تغير المناخ الإقليمي وتضبط الخلافات العربية فهي لن تتم من خلال مناشدات أخلاقية.ولا بد أن تتغير المعطيات والرهانات. واعتبر رباح أن الاستيطان والتهويد قطعا شوطاً خطيراً في القدس والضفة الغربية، ومازال يتطور يومياً دون رادع.

وختم رباح بأنه يجب اختيار سفرائنا بالخارج بدقة أكثر، فهم سفراء لشعب في حالة طارئة، ويجب أن يكونوا مؤهلين لهذه المهمة الصعبة.

عام آخر انتهى، والساحة الفلسطينية لا تزال غارقة في زحمة هذه القضايا،ولمناقشة هذه الملفات العالقة، التقت "القدس" بالكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني يحيى رباح للمناقشة في "جاليري البلد"غرب مدينة غزة،حيث يتواجد دائماًً ..

•المصالحة الفلسطينية حتى الاّن ممنوعة، والوحدة الوطنية معطَّلة، والاستحقاقات الدستورية مجَّمدة، فما هو المخرج للأزمة الفلسطينية؟

يجب أن نتذكر أن الانقسام الذي وقع على إثر الانقلاب المسلح الذي قامت به حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة في الرابع عشر من حزيران 2007م، له جذور عميقة في التفكير السياسي الإسرائيلي، وله تراكمات عميقة أيضاً في ممارسات حركة حماس منذ انطلاقتها مع بداية الانتفاضة الأولى في نهاية عام 1987م.

إسرائيلياً: بدأ نقاش جدي منذ العام 1985م، حول وضع قطاع غزة، وماذا سيكون القرار بشأنه، وجرت قناعة على نطاق واسع في إسرائيل بأن قطاع غزة بوضعه المعروف يعتبر مشكلة متفاقمة، حيث قدرت مراكز الأبحاث الإسرائيلية أن قطاع غزة بمساحته الصغيرة جداً وانعدام موارده، سيصل عدد سكانه بين عامي 2015- 2020إلى أكثر من مليونين ونصف المليون نسمة، وهؤلاء سيكون وضعهم في غاية الصعوبة على صعيد المياه، والفضاء البيئي والموارد والتنمية الاقتصادية والوضع الأمني نتيجة لكل ذلك، وحتى لا ينفجر هذا العدد الكبير من البشر في وجه إسرائيل كانت التوصيات من مراكز الأبحاث بالعمل على جعل قطاع غزة ينفجر باتجاه صحراء سيناء بعد أن تتهيأ الظروف لسلخه عن المسار الفلسطيني.

وعلى هذه الخلفية اتخذت حكومة شارون قراراً بالانسحاب الأحادي من قطاع غزة في عام 2003م، وهو القرار الذي تم تنفيذه في خريف العام 2005م، قبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية الشهر الأول من العام 2006م، وكان ذلك الانسحاب بمثابة خطوة تأسيسية أولى للانقسام.

فلسطينيا: منذ ظهور حركة حماس على الساحة في الأيام الأولى من الانتفاضة في نهاية عام 1987م، بذلت جهود مضنية لإدماجها في النظام السياسي الفلسطيني عبر إشراكها في منظمة التحرير الفلسطينية وفي القيادة الموحدة للانتفاضة، ولكن كل تلك الجهود باءت بالفشل الكامل، وكان السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار حتى يومنا هذا:ما هو جوهر المشكلة، هل هو حجم الشراكة التي تريدها حركة حماس أم أن الموضوع أبعد من ذلك وهو أن حماس لأسباب ودوافع ورهانات كثيرة، ترى نفسها البديل؟؟؟

وكانت أوسع محاولة لإدماج حماس في النظام السياسي الفلسطيني هي المحاولة التي قام بها الرئيس أبو مازن الذي وافق على مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية بداية 2006، حيث فازت بشكل كبير، ولكن أقل من الثلثين، بحيث لم يعطها إمكانية تغيير القوانين ذات الطبيعة الدستورية!!!

واضطرت أن تشكل حكومتها الأولى منفردة، ثم اضطرت إلى القبول باتفاق مكة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ولكن الحكومة لم تستمر سوى أيام قليلة وجرى بعدها الانقلاب.

من خلال هذا الاستعراض السريع، يتضح أن المصالحة لكي تتحقق، فلا بد أن تتغير المعطيات الرئيسية، وأن تتغير الرهانات، وهذا لم يحدث وبالتالي فلم تنجح المصالحة.

في اعتقادي أن العوامل الرئيسية التي أدت إلى الانقسام تعمقت أكثر، فالعامل الإسرائيلي الذي يستغل الانقسام مازال يريده أن يستمر، والصراعات الإقليمية والخلافات العربية التي شكلت بيئة حاضنة للانقسام ماتزال على حالها وأكثر، بالإضافة إلى تداعيات الانقسام نفسها التي وصلت إلى عناوين إدارية وقانونية واجتماعية واقتصادية وثقافية ونفسية، بالإضافة إلى أن حدثاً واسعاً من هذا النوع مثل الانقسام يخلق حوله شريحة مهمة من المستفيدين التي تزداد قوة مع مرور الوقت.

المصالحة لا تتم من خلال مناشدات أخلاقية، لا بد من بيئة ضاغطة، تغير المناخ الإقليمي وتضبط الخلافات العربية، وقدرة فلسطينية على تصحيح الأوضاع، وبدون ذلك يبقى الانقسام إلى أن يخلق نقيضه الموضوعي المتصادم معه، من خلال الدمار الذي يسببه الانقسام على كافة الأصعدة.

* المفاوضات وصلت إلى مرحلة الإفشال المتعمَّد من قبل نتنياهو، والرئيس أبو مازن وصفها بالعبثية، ولكنه مازال يصر على ضرورة التفاوض المُستند إلى المرجعية الدولية ووقف الاستيطان، وواشنطن أثبتت عجزها عن فرض شروط التفاوض المطلوبة، برأيك كيف ستتجه عملية التفاوض في ظل هذه المتناقضات؟

أعتقد أننا حالياً في ذروة الاشتباك السياسي بين السلطة الوطنية والحكومة الإسرائيلية التي يحتشد فيها خلاصة اليمين الديني واليمين العلماني في إسرائيل، اللذان لم يسبق لهما أن تصالحا إلى هذا المستوى في الستين سنة الماضية.

والانقلاب على عملية السلام بدأ منذ عشر سنوات في نهاية عام 2000، بعد فشل محادثات كامب ديفيد الثانية وكان من أبرز مظاهر ذلك الانقلاب الإسرائيلي على عملية السلام حصار الرئيس عرفات حتى استشهاده وإعادة احتلال الضفة الغربية، وتقليص العديد من صلاحيات السلطة الوطنية، والتوجهات الإسرائيلية التي أعلنت بوضوح بان قيام دولة فلسطينية لا يحقق الحد الأدنى من متطلبات الأمن الإسرائيلي.

هذا الانقلاب الإسرائيلي شجعه التدهور المستمر في ملفات المنطقة من أفغانستان والعراق إلى الوضع في لبنان والوضع في السودان، والحالة العربية القلقة بصفة عامة، وفشل التصورات التي كانت قائمة على أساس أن الدور الإسرائيلي تراجعت أهميته لدى حلفائها الأمريكيين وفي الغرب بصفة عامة.

ولكن المشكلة الحقيقية في وجه كل التصورات الإسرائيلية هي الوجود الفلسطيني نفسه، ممثلاً بأكثر من خمسة ملايين فلسطيني موجودين فوق أرضهم الفلسطينية، وكيفية التصرف بهذا الوجود الفلسطيني هو السؤال الأصعب، ولذلك يجب أن ننظر إلى هذا الموضوع بأهمية أكثر لنكتشف بثقة أن إسرائيل هي أيضاً في قلب المأزق.

الوعي يتعاظم في العالم بأنه لا حل بدون دولة فلسطينية قادرة على الوفاء بالتزاماتها نحو شعبها أولاً ونحو جيرانها وهذا هو صلب الصراع القائم الآن.

إسرائيل تريد أن تصنع أكبر قدر من الشروط والحواجز والإحباطات حول هذه الدولة، وتحاصرها في المكان والنفوذ وقوة التأثير، بينما الواقع الفلسطيني يبدو موضوعياً أكبر من هذا التصور الإسرائيلي.

كنا نراهن على وجود قطب دولي مستعد أن يتحمل مسؤولياته للتأثير المباشر في ولادة هذه الدولة الفلسطينية، ضمن رؤية حل الدولتين، و كان لدينا أمل أن يكون الرئيس باراك أوباما على رأس هذا القطب الدولي، و لكن يبدو أن النسيج داخل أميركا مازال لم يستوعب وجود أوباما رئيساً، حواجز العنصرية العميقة تلعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع، و لكن في نهاية المطاف فإن أميركا لا تستطيع أن تكون في اتجاه معاكس تماماً لتوجه دولي واسع النطاق يريد الدولة الفلسطينية.

وقد يكون عسر المفاوضات، واختناقها، هو المدخل لتعاطي دولي مباشر أكثر اتساعا في تجليس فكرة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع.

وعلينا أن لا نتخلى عن الفكرة الرئيسية بأن الوجود الفلسطيني نفسه وحيويته وتأثيره هو العامل الحاسم.

* الاستيطان والتهويد قطع شوطاً خطيراً في القدس والضفة الغربية، ومازال يتطور يومياً دون رادع، فما هي إمكانية تطبيق القرارات الدولية بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل الاراضي المحتلة والقدس الشرقية عاصمة للدولة مع وجود هذا الواقع المرعب؟ وما هي تصوراتكم؟

بالفعل، إسرائيل وفي ظل الائتلاف اليميني الحاكم حالياً بقيادة نتنياهو، تقوم بسباق محموم مع الزمن في موضوع الاستيطان، تريد الإجهاز على القدس، وتريد سرقة أكبر مساحة ممكنة من أراضي الضفة وفي مواقع محددة لها علاقة بالمياه، ولها علاقة بخارطة أمنية تحول المدن والمناطق الفلسطينية إلى معازل محاصرة بالوجود الاستيطاني، وهذا معناه جعل الوجود الفلسطيني مجرد جيوب داخل سيطرة إسرائيلية، بحيث تكون حدود هذه المعازل الفلسطينية كلها مع إسرائيل، وليس مع الأردن، والإبقاء على هيكل ضعيف يتعلق بحياة داخلية للسكان وليس متطلبات شعب في دولة مستقلة.

الاستيطان في أساسه غير شرعي بالنسبة للقانون الدولي، وكل قرارات الشرعية الدولية نصت على بطلان الاستيطان، وحول هذا الموضوع الجوهري توقفت المفاوضات في الماضي، وانهارت في السنة الأخيرة، ونسعى فلسطينياً من خلال جهد عربي مشترك أداته لجنة المتابعة العربية تحديد الموقف الدولي ضد الاستيطان بإصدار قرار من مجلس الأمن يؤكد الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران، وإذا استخدمت الولايات المتحدة الفيتو فيمكن التوجه إلى الجمعية العامة تحت عنوان حماية السلم العالمي لاستصدار قرار يكون في هذه الحالة بمستوى قرارات مجلس الأمن.

هناك إشارات قوية بأن العالم كله بما فيه الدول الكبرى تقبل هذا التوجه الفلسطيني، وإسرائيل خائفة من أن تجد نفسها في نفس موقع جنوب إفريقيا حين وقف العالم كله ضد "الأبارتيد" وضد الوجود العنصري للمستوطنين البيض الذين كانوا يحكمون جنوب إفريقيا، ومازال الجهد يتواصل لحث أميركا على تغيير موقفها وأن تتطابق في سياساتها الفعلية مع حل الدولتين الذي طرحته إدارة جورج بوش الابن وتبنته إدارة أوباما، وهذا هو ثقل الدور العربي، هل ينجح؟؟؟

ولكن على الأرض، فإن حكومة السلطة الوطنية تستخدم ما يتوفر من إمكانيات لبناء مؤسسات الدولة على الأرض، مؤسسات دولة حقيقية، تقنع العالم بأنها قادرة على الوفاء بالتزاماتها، الانقسام يعتبر عاملاً سلبياً في الطريق، لأنه يجعل قطاع غزة خارج السياق، والاحتلال عائقاً يومياً لأنه لا يفتح الباب أمام تبلور اقتصاد فلسطيني، وهذه هي مساحة الاشتباك القائم، وقد تتطور هذه المساحة إلى أشكال عنيفة، لأن فلسطين جزء عضوي من المنطقة التي تمور بالملفات الساخنة والتغيرات المحتملة، والمهم أن السياسة الفلسطينية قائمة على عدم مغادرة الميدان سواء في العمل السياسي أو على صعيد مواصلة بناء مؤسسات الدولة و بنيتها الثمينة او على صعيد العمل الميداني وتوسيع رقعة المقاومة السلمية لتصبح فعلاً يومياً، وإشراك مئات الآلاف من شعبنا في فصول هذه المقاومة السلمية، والحفاظ على هذا التنسيق العربي واستمرار التواصل مع العالم، وحين يكون القرار بالبقاء في الميدان، وعدم التخلي عن أي انجاز، فإننا نكون قادرين على تطوير تصوراتنا من خلال تفاعلات الميدان نفسه.

* ماهو مفهومكم لطلب الوصاية الدولية على الأراضي المحتلة، وهل سيساعد ذلك على إنجاح الخيارات التي تحدث عنها الرئيس أبو مازن؟ وبرأيكم هل ستقبل إسرائيل عملية التدويل أوأنها ستتخذ إجراءات انتقامية؟

 إسرائيل ترفض باستمرار أي نوع من الوجود الدولي كطرف في الصراع القائم بيننا و بينها، والاستثناءات الوحيدة كانت بوجود مراقبين دوليين في مدينة الخليل، ووجود مراقبين أوروبيين تحديداً على معبر رفح قبيل وقوع الانقلاب في قطاع غزة، وفي هاتين التجربتين الصغيرتين جداً، كان العدد محدوداً، يعد على أصابع اليدين، والمهمة كتابة التقارير وليس أي سلطة تنفيذية.

المفهوم الفلسطيني أوسع من ذلك، وهو يتعلق أولاً بضمان الأمن الفلسطيني وخاصة بعد أن أدى الفلسطينيون ما يتوجب عليهم حسب خارطة الطريق، ولكنهم ظلوا يتعرضون إلى اعتداءات واجتياحات وممارسات أمنية من قبل إسرائيل على خلفية إتهامات تقوم بها إسرائيل بدور الجلاد والقاضي في آن واحد.

وقد دعونا إلى وجود دولي، قوات دولية، طرف ثالث، على غرار ما ترسله الأمم المتحدة للمناطق التي يحدث فيها نزاع يمس بحياة المدنيين.

وقد تطور هذا المفهوم إلى وصاية دولية، لتأهيل الدولة إلى الاستقلال، كما حدث في كوسوفو مؤخراً، فالقوات الدولية أشرفت على بناء المؤسسات قبل أن تعلن الأمم المتحدة الاستقلال.

إسرائيل حتى الآن ترفض، ورفض إسرائيل له بعدين:

البعد الأول: أنها تريد أن تظل روايتها هي الرواية الوحيدة، وبما لها من قوة ونفوذ وحلفاء في العالم فتصبح هي الرواية السائدة.

البعد الثاني: أن الموقف الأمريكي يتساوق أيضاً مع الموقف الإسرائيلي، لأن أمريكا من جانبها استأثرت برعاية عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وأبعدت أو همشت أدوار القوى الدولية الأخرى.

ولكن هذا الطرح مازال قائماً، وتنفيذه يعتمد على تطور الصراع.

* التهديدات الإسرائيلية متواصلة لقطاع غزة ، ماهو السيناريو المتوقع إسرائيلياً؟ وما هو تصوركم لكيفية المواجهة فلسطينياً حتى لا تتكرر المأساة السابقة؟

اعتقد أن إسرائيل بحاجة إلى تغيير اتجاه الأحداث، بدل أن يظل التركيز العالمي على ضرورة وقف الاستيطان، وتحميل إسرائيل المسؤولية عبر إفشال المفاوضات وانهيارها، تريد إسرائيل أن تهرب إلى اتجاه جديد – كما هي العادة – و قد يكون العدوان على غزة احد الوسائل لهذا الهروب فحينئذ سيصبح العالم مشغولاً بوقف العدوان، او تخفيف آثاره، أو انسحاب إسرائيل إذا احتلت أجزاء من القطاع، وهكذا...

إسرائيل تقوم بتصعيد ميداني شبه يومي، وهذا التصعيد مصحوب بنبرة عالية من التهديدات، وبنبرة عالية من الاتهامات بدخول أسلحة جديدة إلى قطاع غزة صواريخ أبعد مدى، وأسلحة مضادة للدروع، بل وصلت الاتهامات إلى حد الادعاء بوجود خلايا للقاعدة وعناصر من الحرس الثوري الإيراني.

هناك إمكانية لإبعاد شبح هذا العدوان، من خلال التوافق الوطني على التهدئة، وقيادة عمل سياسي ودبلوماسي مع العالم لرفض هذه الاتهامات الإسرائيلية، وإظهار قدر من السيطرة على الأوضاع في الداخل، وهذا يجب أن يتم من خلال أوعية الشرعية التي يعترف بها العالم، أي السلطة الوطنية والرئيس أبو مازن، ولذلك دعونا حركة حماس في قطاع غزة أن تعلن أنها متفقة مع الرئيس أبو مازن في رؤيته للتهدئة، فليس معقولاً أن تدعو حماس إلى التهدئة في قطاع غزة بينما هي تحرض على انفجار الوضع الميداني في الضفة!!! وقد تكون هناك فرصة للنظر إلى المقاومة بشكل حقيقي، وكيف تكون هذه المقاومة، وكيف تدار، والتوافق الوطني المطلوب، لأنه بدون ذلك لا يمكن مواجهة العدوان بشكل مرضي، ولا يمكن إبعاد شبح العدوان بدون هذا التوافق الوطني تحت لواء الشرعية الفلسطينية.

* لقد  سبق لكم أن كنتم سفيراً في اليمن،وانتم تدركون أهمية دور السفراء في مختلف عواصم العالم، فهل أنتم راضون عن أداء سفرائنا بشكل عام؟ وما هي اقتراحاتكم لتفعيل هذا الدور الوطني في مواجهة الإعلام الصهيوني؟

بداية، أنا لا أوافق على هذه الحملة التي يتعرض لها سفراء فلسطين في بعض الدول، لأننا يجب أن نعرف أن إمكانيات هؤلاء السفراء محدودة قياساً إلى المشاكل الكبرى الموجودة داخل جالياتنا على امتداد العالم.

وانتم تعرفون أن سفراء فلسطين في العالم، ليسوا جميعهم بدرجة واحدة عند تلك الدول، فبعضهم يعامل كسفير، وبعضهم كمفوض، وبعضهم يعامل أقل من ذلك، وهذا بحسب درجة التمثيل التي تعترف بها كل دولة.

والمسألة الأخرى، هي الإمكانيات القليلة جداً الموجودة بين يدي هؤلاء السفراء، هذه هي الحقيقة، كما أن فترة التعامل بالمثل ليست موجودة لدى سفرائنا، لأنه ليس لدى هؤلاء السفراء ما يقدمونه لمواطني الدول التي هم فيها، بينما هم يطلبون من هذه الدول دائماً متطلبات طارئة – بحكم الوضع الفلسطيني – وهذه المتطلبات تحددها نظم تلك الدول.

ولكن بوجه عام: يجب اختيار السفراء بدقة أكثر، ويجب متابعتهم بشكل متواصل في كيفية أداء مهماتهم، ويجب وضع إمكانيات ولو بالحد الأدنى بين أيديهم، فهم سفراء لشعب في حالة طارئة، ويجب أن يكونوا مؤهلين لهذه المهمة الصعبة.

ويجب الاعتراف أن عدداً لا يستهان به من سفرائنا كانوا محترمين جداً، وقاموا بجهود كبيرة تستحق الشكر و الاعتزاز.

* برأيكم هل نجح الرئيس أبو مازن في إجراء تحول جدي في الموقف العربي الداعم لمواقف القيادة الفلسطينية؟ وما هو مستقبل هذا التحوُّل خاصة عندما نصل إلى الخيارات الصعبة؟

اعتقد أن الرئيس أبو مازن ومنذ توليه المسؤولية الأولى على رأس الشرعية الوطنية الفلسطينية حظي بمصداقية عالية عربياً وعالمياً، تحدث بلغة واحدة، وبإيمان عميق بما يريد، ونجح في جعل القضية الفلسطينية جزءاً عضوياً من التوافق العربي، والرئيس أبو مازن أعاد الاعتبار للفكرة الرئيسية بأن أية خيارات فلسطينية في السلم أو الحرب تكمن أهميتها في كونها جزءاً من خيارات وتوجهات عربية، أي جعل الثقل العربي حاضراً في هذه الخيارات، ومن خلال هذه الإستراتيجية التي يواصلها الرئيس أبو مازن، نلاحظ جميعاً، أنه حتى بعض التشنجات أو الاختراقات في الصف العربي كانت تستهدف الطرف الفلسطيني بوجه خاص قد خفت وحوصرت عربياً، وأن السياق العربي العام هو السائد وهو الداعم الرئيسي لنضالنا الوطني.