أحدث وصول ترمب وإدارته الجمهورية في الولايات المتحدة في دورته الثانية إنعاشًا للأوهام الإسرائيلية القديمة الجديدة بتحقيق الحلم الصهيوني، أي السيطرة على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. لكن السؤال المرتبط بالأوهام الإسرائيلية، ماذا عن الملايين الفلسطينية المتجذرة في ترابها الوطني، التي يزيد عددها عن ثلاثة ملايين نسمة؟ وأين يمكن تهجيرهم قسريًا، في ظل الرفض الفلسطيني والعربي لهذا الخيار الإجرامي؟ وفي حال عجزت إسرائيل وائتلافها الحاكم ومن خلفها إدارة ترمب عن تهجيرهم، وفشلت في تحقيق ذلك، وقبلت بضم الضفة الغربية، ماذا سيحل بالدولة العبرية ونقائها اليهودي الصهيوني؟ هل تقبل بالثمن الباهظ بتغيير هوية إسرائيل مع بقاء الفلسطينيين، الذين مع أبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، سيكون عددهم أكثر من عدد اليهود الصهاينة؟ وهل خيار الدولة الواحدة يستجيب لمستقبل إسرائيل الاستعمارية، وإن كانت القوانين الإسرائيلية الجائرة ستفرضها على المواطنين الفلسطينيين؟ وما هي التداعيات الناجمة عن عدم منحهم الجنسية الإسرائيلية في حال أصرت على الضم؟.
هذه الأسئلة وغيرها طرحها أكثر من استطلاع رأي إسرائيلي، توقف أمامها تسيون هيرش – هفلر وآخرين تحت عنوان "وقت الحسم" وضرورة البحث والتفكير بخيار أكثر منطقية ومعقولية، الذين نشروا قراءتهم في صحيفة "هآرتس" في 6 آذار/مارس الحالي، وأعيد نشره في صحيفة "القدس العربي" اللندنية في ذات اليوم، حيث تشير النتائج إلى أن نصف الإسرائيليين يؤيدون الانفصال عن الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وأظهرت النتائج أن النصف الرافض للانفصال لا يقتصر على اليمين واليمين المتطرف، بل شمل بعض هوامش اليسار الراديكالي الإسرائيلي، حيث تعشعش المعتقدات الدينية في أفكارهم. مع أن الأغلبية الإسرائيلية تدرك، أن الفلسطينيين لن يختفوا، وأنه لا يمكن مواصلة حكمهم بدون تعريض طابع إسرائيل للخطر، ولا يمكن التعويل والرهان على السلام الخيالي بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والإبادة الجماعية، التي أدمت عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني.
ووفق قراءة تسيون هيرش– هفلر لعدد من الاستطلاعات التي أُجريت في مجموعة البحث "تمرور"، أظهرت أن الشارع الإسرائيلي الصهيوني يدرك المعضلة التي تواجه الدولة، رغم صدمة 7 أكتوبر 2023 والأزمة العميقة التي ولدتها، وتداعياتها الخطيرة على الجميع، وما زال قطاع واسع من الإسرائيليين يعتبرون الانفصال عن الشعب الفلسطيني، باتفاق أو بشكل أحادي الجانب، هو الحل المفضل على الضم، حيث أيد 50% من الجمهور الإسرائيلي الانفصال بغض النظر عن طابعه، و70% من ما يسمى اليسار يؤيدون الانفصال، و25% يؤيدون الضم بشكل احادي الجانب، حتى كانون الأول/ديسمبر 2024.
رغم هذا التأييد للانفصال عن الشعب الفلسطيني، إلا أن الاتجاه العام في إسرائيل لا يؤيد حل الدولتين، أو بتعبير أدق استقلال دولة فلسطين وسيادتها على أراضيها المحتلة بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967.
ومع ذلك يُطرح سؤال، كيف يمكن تفسير تأييد الانفصال أحادي الجانب أو الثنائي في فترة معقدة وعصيبة من ناحية أمنية؟ وفق هيرش – هفلر، يعتقدون أن الإجابة تكمن في المصيدة التي تمر بها إسرائيل، بين التهديد المتوقع من استمرار السيطرة على الضفة الفلسطينية، وبين التهديد الذي قد يتطور عقب الانسحاب منها ومن القطاع؟ يخلص الذين قرأوا الاستطلاعات، أن استمرار السيطرة والضم الرسمي، أو الزاحف للضفة يجلب ثمنًا باهظًا، يتمثل بالملايين الفلسطينية، الذين يهددون هوية وطابع الدولة الإسرائيلية، ليس بعدد السكان فقط في حال حصلوا على الجنسية الإسرائيلية، وأثر ذلك على الديمغرافيا داخل إسرائيل إذا لم يحصلوا على الجنسية، نتاج مواصلة دفاع الفلسطينيون عن هويتهم ومشروعهم الوطني من خلال مقاومتهم المشروعة في بلوغ حقوقهم السياسية والقانونية.
بعيدًا عن التفاصيل التي آثارها هيرش – هفلر وآخرين، وحيث تتحطم الأوهام الإسرائيلية بتصفية وتطهير عرقي للفلسطينيين، فقد حان الوقت لاتخاذ قرار حكيم، وإجراء نقاش عام جدي حول المستقبل الذي يريده الإسرائيليون، مستقبل يضمن أمنهم، ويحافظ على هويتهم، والتي لخصها بكلمات التحذير هركابي قبل 40 سنة من الآن: لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات مصيرية. وهذا يعني باختصار، وبكلمات مكثفة، على الإسرائيليين وإدارة ترمب، أن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية تجاه مصالحهم الخاصة، وتجاه تجذر الشعب الفلسطيني في أرض وطنه الأم فلسطين، وهو الإقرار والالتزام باستحقاقات التسوية السياسية، ومنحهم الاستقلال التام في دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، غير ذلك يكون بمثابة عبث، وإبقاء دوامة العنف والفوضى والإرهاب والإبادة إلى ما شاء الله. لا سيما وأن الشعب الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد، لن يقبلوا بغير استقلالهم في دولتهم الوطنية السيدة على جزء من أرض وطنهم الأم فلسطين، فهل يقتنع الإسرائيليون بذلك؟ الأمر مرهون بهم وبسادتهم في واشنطن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها