وصل يوم الأربعاء الماضي الموافق 13 مايو 2020 وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو إلى إسرائيل في زيارة خاطفة استغرقت 8 ساعات والتقى بأركان الحكومة الجديدة الثلاثة: بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، وبيني غانتس، وزير الحرب، وغابي إشكنازي، وزير الخارجية. وتعتبر زيارة المسؤول الأميركي لإسرائيل الأولى دوليًا في زمن تفشي جائحة الكورونا عالميًا، الأمر الذي أثار أولاً الاستغراب في الخلفيات والتوقيت، وثانيًا فتحت شهية المراقبين لطرح العديد من الأسئلة على الذات، وعلى جهات الاختصاص؛ وثالثًا وسعت دائرة الاجتهاد لسبر غورها وابعادها.

ومن بين الأسئلة الافتراضية المتعلقة بالزيارة، هل الزيارة مرتبطة بعملية ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية في القدس العاصمة والأغوار؟ وهل تستدعي هذه المسألة زيارة وزير الخارجية. لا سيما وأن هناك لجنة مشتركة تدرس المناطق المحددة للضم، وآليات وتوقيتات ضمها، وبالتالي ما ضرورة زيارة الرجل لإسرائيل؟ وإذا لم تكن عملية الضم هي السبب، فما هو إذاً؟ هل الأمر يتعلق بالملف الإيراني، أم أن الملف الصيني واستثمارات التنين في إسرائيل هي السبب؟ وما هو تأثير هذه الاستثمارات على العلاقة الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية؟ وما علاقة الزيارة بإعادة تموضع القوات والصواريخ الأميركية في منطقة الخليج العربي، التي تمت خلال الأسبوع الماضي؟ وهل الكورونا وتداعياتها الإستراتيجية على الخارطة الجيوسياسية العالمية لها علاقة؟ وألم يكن بالإمكان بحث الأمور عبر القنوات المعتمدة الآن من خلال وسيلة الفيديو كونفرنس أو الاتصالات الهاتفية أو حتى عبر عمليات التشفير؟ وهل للزيارة فعلاً علاقة بمكانة الرئيس ترامب، وتراجع حظوظه في استطلاعات الرأي، وبهدف تدعيم مكانته في الشارع الأميركي عشية الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم؟ وألا يكفي ما قدمته إدارة ترامب من دعم غير مسبوق وصل إلى درجة التماهي مع إسرائيل ومخططها الإجرامي في العدوان على المصالح والحقوق الفلسطينية كي يبقي أنصار الصهيونية والإيباك ومن لف لفهم في مواقع الداعم لترامب؟ وهل التوقيت الآن مناسب للحديث عن الانتخابات، التي يفصلنا عنها نصف عام كامل؟

من خلال قراءتي للزيارة أعتقد ان رئيس الديبلوماسية الأميركية لم يأتِ لا من أجل الضم، ولا للتغطية على جرائم إسرائيل، لأنها تقوم بهذه المهمات دون الحاجة للزيارة والتنسيق، ولا من أجل مباركة الحكومة الجديدة برئاسة نتنياهو، ولا من أجل دعم الرئيس الأميركي، وتعزيز موقعه، لأنه من المبكر الحديث الآن عن ذلك، خاصة وأن هناك فرضية طرحها صهر الرئيس الأميركي، جارد كوشنير قبل يومين، وهي إمكانية تأجيل الانتخابات القادمة. وبالتالي فإن الزيارة لها عميق الصلة بالصراع الكوني المحتدم بين القطبين الصيني والأميركي، ويندرج فيها الملف الإيراني. خاصة وأن إدارة ترامب قامت، كما ذكرت الاسبوع الماضي بنشر خبر سريع يتعلق بإعادة تموضع صواريخ باتريوت وقواتها الموجودة في العديد من دول الخليج العربي. أضف إلى أن تقارير إسرائيلية أشارت إلى حدوث هجوم إيراني إلكتروني الشهر الماضي، مع أن إسرائيل لم تقدم دليلاً واحدًا على ذلك. كما أن العلاقات البينية الإيرانية الإسرائيلية ليست سيئة للحد الذي تشيعه وسائل الإعلام. غير أن ذلك لا يسقط الرغبة الأميركية بانتزاع موقف من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لصالح القبول بإعادة النظر بالملف النووي الإيراني، وشطب إتفاقية 5+1 تموز/ يوليو 2015 الدولية.

يبقى الملف الأكثر سخونة وحيوية، والذي يحتاج إلى سرية عالية، وهو الملف الصيني الأميركي وتداعياته السياسية والعسكرية والوبائية، ويندرج في صلبه موضوع الاستثمارات الصينية في ميناء حيفا بعد التوقيع على عقد الإيجار بين الدولتين الذي يسمح للصين بإدارة الميناء لمدة 25 عامًا بدءًا من عام 2021، بالإضافة لذلك أصبحت شركة "هاتشيسون ووتر إنترناشونال" ومقرها هونغ كونغ أحد المتأهلين النهائيين لبناء محطة لتحلية المياه، تقول إسرائيل "أنها ستكون الأكبر في العالم." الأمر الذي أثار حفيظة واشنطن، واعتبرت ذلك تهديدًا للأمن القومي الأميركي، كون الاستثمارات تقع في منطقة إستراتيجية وحيوية، وبسبب تواجد بوارجها الحربية بشكل دوري ودائم في الميناء. والأهم مما تقدم، وله عميق الصله به، ان الحرب البيولوجية الدائرة بين البلدين باتت تتجه لمآلات أكثر سخونة، ومن استمع للرئيس دونالد ترامب أول امس الخميس 14 مايو الحالي يدرك أن الأمور تسير نحو منعطف خطر، عندما أعلن خبرين هامين جدًا، الأول أقر فيه بانتهاء عصر العولمة الأميركية؛ والثاني طالب بوقف كل العلاقات مع الصين، لان ذلك يوفر مبلغ 500 مليار دولار سنويا للولايات المتحدة، مع إن ممثلي البلدين اتفقا قبل فترة وجيزة على مواصلة التعاون في اتفاقية التجارة البينية بين البلدين، وإن كانت هناك قيادات صينية نادت بإعادة نظر في الاتفاق، وإنتزاع تنازلات أميركية جديدة لصالح الصين. وبالتالي هذا الملف هو الأساس للزيارة، والمستقبل القريب والمنظور يملك الجواب.