في الوقت الذي يستمر فيه العدوان على قطاع غزة بكل وحشية، يواصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو رفع سقف مطالبه، مُراوغًا على طاولة التفاوض، متجاهلاً كل النداءات الإنسانية والسياسية التي تطالب بوقف الحرب وإنقاذ ما تبقّى من حياة في غزة المنكوبة، وانقاذ الرهائن لدى حماس.
الملفت أن تصعيد الاحتلال يتزامن مع حالة تراخٍ دولية مريبة، ووساطة إقليمية تتعرض لضغوط معقدة.
الوسطاء، وتحديدًا قطر ومصر، يتحركون في حقل ألغام دبلوماسي، محكوم بإملاءات أميركية وشروط إسرائيلية تتجه نحو فرض "تسوية استسلامية على حماس"، لا وقفًا عادلاً للعدوان.
"حماس"، من جهتها، تصرّ على شروط إنسانية وسياسية مشروعة، من وقف كامل لإطلاق النار، وانسحاب لقوات الاحتلال، وعودة النازحين بضمانات دولية، وبقائها في المشهد، إلى جانب البدء بإعادة إعمار القطاع المنكوب هذا الموقف، رغم تماسكه، يواجه برفض ومماطلة إسرائيلية التي تهدف إلى كسب مزيد من الوقت وفرض أمر واقع ميداني يعزز من أوراق نتنياهو السياسية.

لكن ما لا يمكن تجاهله في هذا المشهد المعقد  والمركب هو ارتباط ما يجري في غزة بالسياقات الإقليمية والدولية الأوسع، وعلى رأسها المسار التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة.
فالمفاوضات الجارية، سواء العلنية منها أو خلف الكواليس، حول البرنامج النووي الإيراني وأدوار طهران الإقليمية، تُلقي بظلالها على الميدان الغزّي.
الولايات المتحدة ترى في الضغط على غزة ورقة تفاوضية غير مباشرة في تعاملها مع "محور المقاومة"، تسعى من خلالها إلى إعادة تشكيل توازنات الإقليم، دون الدخول في حرب مباشرة مع إيران.
في المقابل، طهران تتابع ما يجري بدقة، دون تدخل مباشر، حرصًا منها على عدم خلط أوراقها التفاوضية، وتجنبًا لانفجار إقليمي قد يجهض مكاسبها المحتملة.
بهذا المعنى، تتحول غزة إلى "ميدان وساحة رسائل" بين مختلف الفرقاء والأطراف، تُستخدم فيها دماء المدنيين الفلسطينيين كورقة ضغط متبادلة، لا بين حماس وإسرائيل فقط، بل أيضًا بين القوى الكبرى التي تُدير الصراعات الإقليمية من وراء الستار.
الولايات المتحدة، رغم ما تعلنه من "قلق إنساني" ومن ضرورة السرعة في إنهاء العمليات العسكرية في قطاع غزة، حسب ما نسب للرئيس ترامب، الذي يعتزم على زيارة المنطقة العربية خلال الشهر القادم، إلا أنه لا زال يواصل دعم العدوان الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا، مانحًا إسرائيل ونتنياهو الغطاء اللازم لمزيد من التدمير والتهجير والتجويع للغزيين.

أما الضمير العالمي والدولي، فيبدو غائبًا أو مغيّبًا، وسط ازدواجية المعايير التي لم تعد قابلة للتجميل أو التبرير.
في خضم هذا الواقع المتشابك، المر والأليم، يدفع المدني الغزّي الفلسطيني الثمن (قصفًا وجوعًا ومرضًا وتهجيرًا. من كل أشكال الرعب واغتيال أسباب الحياة، التي يتعرض إليها في كل لحظة وثانية).
بينما العالم يتفرج، وأطراف التفاوض على أقل من مهلها، تساوم على ما تبقّى من أنفاس الغزيين.

إن ما يجري في قطاع غزة اليوم ليس مجرد معركة عسكرية، بل هو جريمة سياسية مركبة، تُدار بأدوات دبلوماسية وأمنية من أطراف متعددة، إن السكوت عنها وعليها يعدُّ مشاركة في تنفيذها.

- يبقى السؤال الجوهري والهام:

إلى متى سيُترك الدم الفلسطيني رهينة لخرائط الصراع الإقليمي والدولي على السواء؟ متى تستعيد فلسطين، مكانتها كقضية تحرر وطنية وأخلاقية، لا ورقة في لعبة الأمم والصراع الإقليمي والدولي؟
فلسطين ومنها غزة اليوم، ليست مجرد مدينة محاصرة، بل باتت ضمير يُحاكم الجميع، من يتواطأ، من يصمت، ومن يساوم.
فالتاريخ لا ينسى، والدم لا يجف إلا بعد أن يُكتب،
ولا أمن ولا سلام ولا استقرار وازدهار في المنطقة،  وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والثابتة مغيبة أو معلقة.