ما زالت العلاقة مع الأرض هي الفجوة التي تفصل بين الحق الفلسطيني والباطل الإسرائيلي والتي شكلت نواة لكفاح الفلسطيني الممتد حتى يومنا هذا، والسد المنيع الذي اصطدم به كل قادة الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ مشروعهم الاستعماري وقيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين.

لم يكن سهلاً عليهم مقارعة الفلاح الفلسطيني وفك ارتباطه بارضه الموروثة عن أجداده، كما لم يكن من السهل اقناع يهود الخارج بالهجرة إلى فلسطين تحت ذريعة الارتباط بالأرض التي لم تكن يومًا وطنًا ولدوا أو نشأوا فيه.

حاول قادة المشروع الاستيطاني تشويه أصول الفلاحين الفلسطينيين، فادعى بن غوريون أن الدم اليهودي يجري في عروقهم مصورًا "إياهم من اليهود القدامى الذين بفعل الاحتلال الإسلامي لفلسطين اعتنقوا الديانة الإسلامية الزاميًا". 

هو نفسه بن غوريون الذي  قتل هؤلاء الفلاحين وشردهم من أراضيهم.. لم تأتِ مزاعمه إلا ضمن سلسلة ادعاءات وأوهام كانت وما زالت تسعى إلى نزع الهوية الفلسطينية عن أهل الأرض الأصليين والفوز بأرض يهودية منزوعة من الوجود الفلسطيني وهم من أرادوا "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" .. المقولة التي روج لها زعماء الحركة الصهيونية سقطت في بلاد لا تخلو من أهلها المرتبطين ارتباطًا غرائزيًا في أرضهم.. هي الحقيقة التي ظلت تطارد حكام الاحتلال  وكان من شأنها أن تأخذ بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل للسكن في صحراء النقب الخالية...

 بن غوريون، ما أهلكه تراب وماء وشجر فلسطين هو نفسه أيضًا الذي أعلن قيام دولة إسرائيل في 14 أيار 1948 وتزعم العصابات الصهيونية التي نكلت وارتكبت المجازر بالشعب الفلسطيني، وقام بتنظيم هجرة اليهود من كل مناطق التواجد اليهودي إلى فلسطين من أجل بناء الدولة اليهودية، ودعا إلى هدم اسوار القدس وادعى فيما بعد تفضيله السلام على أراضي الضفة وغزة.

هي تناقضات المحتل الذي  بمنطق السلاح والقوة احتل الجزء الكبير من الأراضي الفلسطينية وزور أوراق ملكيتها وغير أسماء مدنها وقراها إلا أنه ظل يفتقد إلى الحجة الأساس المنبثقة عن العلاقة التاريخية مع الأرض التي يملكها أهلها الحقيقيون والتي جعلتهم يستبسلون في القتال ضد الاستيطان الصهيوني وقد صاح بن غوروين يومًا بأن المشروع الصهيوني يترنح في معارك باب الواد تحت نيران بنادق الفلاحين في حرب النكبة.

العلاقة مع الأرض.. فجوة الاحتلال العميقة، وإثنان وسبعون عاما ليس إلا تاريخًا لِنضال شعب متمسك بثوابته، قادر وحده ولو بعد حين على كسر حجج عدوه الواهية.