يحيط بهم الموت من كل صوب، وتُراق دماؤهم في كل ساعة أمام شاشات التلفاز. هكذا هو المشهد في قطاع غزة، الذي ينزف في ظل حصار مطبق ومآسي متعددة. وهذا المشهد ناقشته الإعلامية مريم سليمان في مداخلة هاتفية عبر قناة فلسطيننا مع الباحث والمحلل السياسي اللواء سمير عباهرة.

بدأ حديثه مؤكدًا على أنَّ ما يجري في غزة هو جريمة إنسانية كبرى، يشترك في ارتكابها العالم بصمته وعجزه عن وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل. هذا العدوان أفرز وضعًا كارثيًا: لا طعام، لا مياه، ولا مساعدات إنسانية، بعدما منعت إسرائيل دخولها واستخدمتها كسلاح لفرض مزيد من الضغط على السكان، بهدف دفعهم إلى الهجرة القسرية وتفريغ غزة من أهلها.

وتابع، العدوان لم يقتصر على الحصار والتجويع، بل طال المستشفيات والبنية التحتية، ما حوّل حياة الناس إلى جحيم، وسبّب تفشي الأمراض في ظل غياب الرعاية الصحية. إلى جانب ذلك، تستمر الحرب المفتوحة، والتجريف، واستخدام إسرائيل لكل أدواتها العسكرية والسياسية للضغط على الفلسطينيين.

مشددًا على أنَّ الأخطر من ذلك هو السعي الإسرائيلي لمحو الهوية الوطنية الفلسطينية، واستهداف الوجود الفلسطيني ذاته. 

وأضاف، أنَّ المجتمع الدولي يكتفي بالتصريحات الشفوية والرسمية دون اتخاذ أي إجراءات رادعة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بل تراجعت حتى المطالبات بإنهاء الحرب. مشددًا، رغم أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على إيقاف العدوان، إلا أن أجندتها في الشرق الأوسط تمنعها من الضغط على حكومة نتنياهو. المفارقة أن الضغط الحقيقي يأتي من داخل إسرائيل، حيث يطالب الشارع وبعض الجهات العسكرية بوقف الحرب من أجل استعادة المحتجزين، وهو ما يُعد حالياً العامل الضغط الوحيد على نتنياهو لإنهاء العدوان.

وأشار إلى أنَّ المخطط الإسرائيلي يتركز أولاً على التهجير، حيث تطالب قوى من اليمين المتطرف بإعادة احتلال غزة، وهو ما يبدو أنه يتحقق فعلياً من خلال حصار شامل، وعزل للمدن، وتقسيم القطاع عبر محاور مثل “نتساريم” شمالاً وجنوباً، وطريق صلاح الدين شرقاً وغرباً، بالإضافة إلى محور بين خانيونس ورفح. هذه السياسات الجديدة تهدف إلى فرض السيطرة الكاملة على غزة، والبحث عن الأسرى الإسرائيليين، وتُعد جزءاً من الاستراتيجية الإسرائيلية الأشمل الهادفة إلى إحباط أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية عبر تقويض مقوماتها الأساسية، وهو ما يمثل جوهر رؤية نتنياهو السياسية.

وأوضح، تحاول إسرائيل فصل العقيدة الدينية عن الواقع الفلسطيني، عبر استهداف المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، تحت ذريعة “هيكل سليمان” المزعوم، لتبرير الحفريات المستمرة التي تهدد بانهياره. وفي ظل تجاهلها للمواقف الدولية والعربية والإسلامية، تسعى إسرائيل، وبدعم من اليمين المتشدد، لفرض سيادتها على الأقصى باعتباره أرض العقيدة. وقد تجلى هذا التوجه في زيارة السفير الأميركي الجديد للمسجد وصلاته فيه، استجابةً لتوجيهات ترامب. وتتماهى هذه السياسات مع العقيدة التلمودية التي تعتبر الضفة الغربية والأقصى جزءًا من أرض الميعاد. وتعمل إسرائيل على منع الفلسطينيين من الوصول للأقصى، عبر الحواجز والعوائق، في محاولة لقطع الرابط الديني بين الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية في القدس.

ختم حديثه مشيرًا، إلى أنَّ التوجه إلى المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي والعاصمة البلجيكية بروكسل، خطوة ضرورية في دعم القضية الفلسطينية، إذ توجد هناك منظمات عديدة تُناصر الحق الفلسطيني وتطالب بإنهاء الاحتلال. كما أن المجازر المرتكبة في غزة أدت إلى صحوة شعبية أوروبية وتعاطف واسع مع الفلسطينيين، بعد أن باتت جرائم الإبادة واضحة للعيان وتُصنّف كجرائم حرب في القانون الدولي، ما يستوجب محاسبة إسرائيل. من هنا، فإن الساحة الأوروبية والدولية تمثل اليوم منفذًا مهمًا للضغط على إسرائيل من أجل انسحابها الكامل من الأراضي المحتلة وتحقيق قيام الدولة الفلسطينية.