رغم التحديات التي تُحيط بالفلسطينيين من كل جانب، إلا أن الإبداع لا يغيب، بل يُزهر أكثر تحت الضغط. وفي قلب هذا الواقع، تظهر شخصيات تصرّ على أن تصنع من الحلم واقعًا، وتُقدّم للعالم صورة مختلفة عن فلسطين، صورة تتحدث بلغة التقدم والتميز والإرادة، يتسلحُ صناعُها وروّادها بإرادة الإبداع في صناعة المستحيل، التي تبقى كيمياء الفلسطيني، فمن عشق الوطن يولد الانتماء ومن تجسيد ديمومة الارتباط بهذه الارض يولد الإبداع وتستمر ارادة الحياة، فاذا كان على هذه الارض ما يستحق الحياة، ففي القلب منها هناك من يصنعون طعم الحياة لتكون شمسًا في عنان السماء، ولأن نساء فلسطين هن مبدعات هذا الوطن، فإن هذا الإبداع صورة تضفي نكهةً خاصة وشهادة بأن إنجازاتنا تتجسد في كل ألوان العطاء ليبقى خالدًا ورمزًا على أننا نستحق الحياة، لأن ثقافتنا وإبداعنا لا يموتان.
إحدى هذه الشخصيات هي الدكتورة منى الضميدي، عميدة كلية العلوم الرقمية في الجامعة العربية الأمريكية، التي نُقشت بصمتها مؤخرًا على خارطة العالم كواحدة من "100 امرأة مبدعة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي"، وأيضًا ضمن قائمة "100 امرأة مؤثرة في الذكاء الاصطناعي والمجتمعات العالمية" لعام 2025.
هذا التتويج لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج رحلة طويلة وشغف متواصل، بدأ مشوارها في مجال الذكاء الاصطناعي من أبحاث أكاديمية، ركزت فيها على الجانب الأخلاقي والإنساني لتوظيف الذكاء الاصطناعي، وهو ما توّج لاحقًا بمشاركتها في صياغة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في فلسطين، وإعدادها لتقرير "الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات" بالتعاون مع اليونسكو.
كما شاركت في محافل دولية بارزة مثل منتدى باريس ومنتديات الأمم المتحدة، مؤكدة أن اختيارها ضمن القائمتين العالميتين جاء تقديرًا لهذا الجهد الذي يسعى لتقديم الذكاء الاصطناعي كأداة في خدمة المجتمعات.
حول أهمية وجود المرأة في هذا المجال الحيوي، تقول الضميدي: "الذكاء الاصطناعي يُشكل المستقبل، وإذا لم تكن المرأة جزءاً من تصميم هذا المستقبل، فستُعاد إنتاج أدوات التحيز ذاتها".
ورغم الواقع السياسي والاقتصادي المعقد، ترى د. الضميدي، أن فلسطين بدأت تخطو بثبات في هذا المجال، مؤكدة أن إطلاق الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في 2023 كان نقلة نوعية، إلى جانب التعاون مع اليونسكو في تقييم مدى جاهزية فلسطين للذكاء الاصطناعي.
لم يكن طريقها إلى العالمية مفروشًا بالورود، فبحسب د. الضميدي، فإن التحديات الأساسية التي واجهتها تمثلت في قلة الموارد، ضعف البنية التحتية، وندرة الفرص للتعاون والتطوير المهني داخل فلسطين، ومع ذلك، لم تتراجع، بل راهنت على التعلم المستمر وبناء شبكة علاقات مهنية، لتُثبت أن فلسطين قادرة على التواجد والمنافسة في المحافل الدولية.
في ختام حديثها، توجهت الدكتورة منى برسالة ملهمة إلى الشباب الفلسطيني، قالت فيها: "لا تسمحوا للظروف أن تحد من طموحكم، فالتكنولوجيا أداة، والذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية لإحداث التغيير. اصنعوا مستقبلكم بذكاء، بعدالة، وبروح إنسانية".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها