ستمر بضعة أيام نشهد فيها ذروة الارتباك في منظومة الاحتلال والاستيطان العنصري الإسرائيلي، وبعدها سيتأكد العالم من هو الحاكم الفعلي والرأس المدبر لهذه المنظومة.

لم تكن هذه المنظومة منذ إنشائها صاحبة قرار مستقل، وإنما تابع ينفذ إرادة القوة الاستعمارية الراعية التي تمسك بزمامها وتوجهها وفقًا لمصالحها، لذا فإن قرار ضم الأغوار الفلسطينية  وشمال البحر الميت ومستوطنات قائمة على أرض فلسطينية محتلة منذ العام 1967 كان وسيبقى بيد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي خرج متمردًا على القوانين والشرائع الدولية، وضرب كل ما حققته الإنسانية من أجل منع نشوب حروب وصراعات لغاية صنع استقرار وسلام وعلاقات حسن جوار بين دول العالم، خرج ليعيد سيرة الاستعمار التي أُسست لكل الصراعات التي ما زال بعضها مستمرًا  ومنها الصراع الفلسطيني العربي من جهة والصهيوني الاسرائيلي من جهة ثانية، أو التي ما زالت آثارها قائمة وتشكل مبررات لأعمال جماعات ومنظمات إرهابية اكتسحت جغرافيا العالم البشرية كافة.

قرار الضم كما شرحنا وبينا في مقال سابق مرسوم بأدق التفاصيل في خرائط وملحقات الخطة الاستعمارية التي سماها صهر الرئيس الأميركي كوشنير (خطة ترامب) التي باتت معروفة (بصفقة القرن) وعليه فإن اية تداعيات وردود فعل إنما تتحمل المسؤولية عنها إدارة ترامب ذاتها بنفس المستوى والقدر الذي تتحمله منظومة الاحتلال الاسرائيلي باعتبارها تأخذ شكل دولة معترف بها في الأمم المتحدة ولها علاقات مع دول كثيرة في العالم ومنها دول عربية تقيم معها علاقات رسمية.

تؤكد ارتباكات اللحظة الأخيرة الحاصلة لدى منظومة الاحتلال الإسرائيلي التي نتج عنها تأجيل تقديم تشكيلة الحكومة الإسرائيلية وبرنامجها للكنيست أن أمر التأجيل ليس مرتبطا بخلافات على توزيع الحقائب الوزارية على أعضاء في حزب الليكود وأعضاء من احزاب يمينية انشقت عن تحالف اليمين وانضمت لنتنياهو المنشق أصلاً عن هذا التحالف، وإنما مرتبط بزيارة وزير الخارجية في إدارة ترامب مايك بومبيو.

وصل بومبيو إلى إسرائيل على وجه السرعة – رغم جائحة الكورونا وتوقف معظم اللقاءات  والاجتماعات الدبلوماسية في العالم لأن إدارته استشعرت استغلال نتنياهو لجائحة الكورونا وانشغال ترامب شخصيًا في صب الزيت على النار في صراعاته مع الصين وإيران للتسلل وإعلان الضم من طرف واحد والمقصود من طرف واحد هو إعلانه دون العودة لآمريه في البيت الأبيض الذين صمموا الخارطة بالتوافق معه أصلاً، وربطوا تنفيذها بقرار من لجنة مشتركة أميركية اسرائيلية، فلنتنياهو تجارب سابقة في التسلل وراء البيت الأبيض في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ونعتقد انه رأى الفرصة سانحة لتكرار هذا التسلل ليس للغدر بترامب، وإنما لضمان بقاء ائتلاف اليمين الاسرائيلي كخط رجعة حال اضطر الى خوض انتخابات رابعة للكنيست، فقرار الضم هو المحور الأساس الذي يقوم عليه الائتلاف اليميني.

يدرك نتنياهو أنه لا يمكنه التصرف وحده في خطة ترامب الاستعمارية وتنفيذ ما نصت عليه خرائطها، ولكنه بذات الوقت يعلم أن إدارة ترامب معنية بلمس مؤشرات خضوع من الرئيس ابو مازن والقيادة الفلسطينية قبل الإقدام عليها، لكن هذا الأمر لم يحدث إطلاقًا حتى أن ترامب نفسه بات على يقين باستحالة تمرير الخطة في ظل موقف صلب من الرئيس أبو مازن وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وشعبنا الفلسطيني، أما الشواهد المادية على الأرض من اعمال مقاومة شعبية فإنها شواهد وإنذارات على ما ينتظر منظومة الاحتلال حال اعلانها الضم وفرض السيادة على جزء من ارض دولة فلسطين.. وهذا ما دعا المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان اورتاغوس للتصريح أمس: "سنواصل الضغط على الفلسطينيين لقبول الخطة، فلم نفقد الأمل".

يدرك ترامب قبل غيره أن الرئيس أبو مازن جاد فيما يصرح به من مواقف، وأن لحظة ما بعد الإعلان عن الضم لن تكون كسابقتها وأن خريطة المنطقة وعلاماتها لن تبقى على حالها في اللحظة التالية للإعلان، ويدرك ترامب الآثار المترتبة على  دخول الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية بقوة على هذا الملف وتأثير تصريحاته الايجابية القوية على الشعب الأردني الشقيق الذي هو في الحقيقة توأم الشعب الفلسطيني والمتضرر الأكبر من أي توسع استعماري اسرائيلي، حتى يمكننا القول أبعد من أي نظرة أخرى، إن قيادة المملكة في الأردن الشقيق تعتبر ضم الأغوار الفلسطينية وشمال البحر الميت ليس مجرد فرض سيادة اسرائيلية على اراضي دولة فلسطينية معترف بحدودها من دول العالم وحسب بل ردا اسرائيليا على قرار المملكة بالامتناع عن تجديد عقد تأجير أراضي الباقورة والغمر الأردنية لإسرائيل، التأجير الذي تم وفق معاهدة  وادي عربة للسلام بينهما.

نعتقد أن إدارة ترامب سارعت لإرسال بومبيو الى نتنياهو بعدما سمعت موقف شعبنا الفلسطيني الذي أعلنه الرئيس أبو مازن وكرره ثلاث مرات في ظرف اسبوع واحد بمناسبات عدة  قد قيمت وقدرت عواقب القرار الإسرائيلي، وزاد موقف الملك عبد الله الثاني الذي عكس موقف الشعب الأردني الشقيق بقوله: "من أن ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية سيؤدي إلى صِدام كبير مع الأردن".