ما يجري من صراع محتدم على الأرض الفلسطينية بين دولة الاستعمار الإسرائيلية والقيادة والشعب الفلسطيني يمس كل الشعوب والدول العربية دون استثناء، وبشكل خاص المملكة الأردنية الهاشمية، لا سيما ان القيادة الإسرائيلية تربط مشروعها التوسعي على أرض فلسطين التاريخية من خلال الضم والتهويد والمصادرة والأسرلة لتضرب عصفوين بالحجر المذكور، هما أولا تصفية القضية الفلسطينية، وثانيا الدفع بالفلسطينيين نحو الوطن البديل "الأردن". والشق الثاني ليس جديدًا، إنما هو قديم قدم وجود المشروع الصهيوني في نهايات القرن التاسع عشر.

ويخطئ من يعتقد، أن إتفاقية وادي عربة بين المملكة وإسرائيل أكتوبر 1994 تنقذ الأردن الشقيق من براثن المشروع الصهيوأميركي. وما حديث وزير خارجية إدارة ترامب، بومبيو يوم الأربعاء الماضي الموافق 13 إبريل 2020 حول الحرص على العلاقات المميزة بين الأردن وإسرائيل إلا للتضليل والخداع والالتفاف على الحقائق الجاري العمل على تنفيذها تدريجيًا، وحتى غرفة العمليات المشتركة بين الدول الثلاث لا تقدم ولا تؤخر، فهي بالمحصلة تخدم أصحاب المشروع الإستعماري الصهيوني، وشكل من أشكال التخدير، وللوقوف على اللحظة الفاصلة والمناسبة لتنفيذ مخطط الوطن البديل.

والقيادة الأردنية الشقيقة وعلى رأسها الملك عبدالله الثاني تدرك هذة الحقيقة، وتتعامل مع الأمور بروية وحكمة سياسية، ولا تريد ان تكون المبادرة لتفجير الأزمة قبل أوانها، خاصة وان الظروف الآن ليست مؤاتية داخليًا وعربيًا وعالميًا؛ وكون عملية الضم وإرهاصاتها كمقدمة لتطبيق صفقة القرن برمتها تحتاج إلى وقت، وقد تتأخر نسبيًا بسبب تفاعلات أزمة الكورونا العالمية، وإحتدام الصراع بين الأقطاب الدولية وخاصة القطبين الصيني والأميركي، كما أن المواجهة الفلسطينية المحتدمة لم تصل بعد إلى نقطة الصفر. وبالتالي ترتئي (القيادة الأردنية) مراقبة ومتابعة الوضع عن كثب، وتحذر من تداعيات ما يجري.

وهذا ما صرح به الملك عبد الله الثاني لمجلة "دير شبيغل" الألمانية يوم الجمعة الماضي الموافق 15 إبريل الحالي بالقول: "في حال ضمت إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية سيؤدي ذلك إلى صدام كبير مع بلادنا، وندرس جميع الخيارات إذا حدث الأمر". وتأكيدًا على سياسته الهادئة والمتزنة، أضاف الملك "لا أريد أن أطلق التهديدات، أو أن أهيئ جوا للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات". وتابع رابطًا موقفه بالمجتمع الدولي ليتسلح به في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيو أميركي، فقال: "ونحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على ان قانون القوة لا يجب أن يطبق في الشرق الأوسط".

إذا الأردن ملكًا وحكومة وشعبًا ونخبًا وقوى سياسية وثقافية ونقابية ليسوا نائمين، ولا تاركين الحبل على الغارب للإسرائيليين والأميركيين، بل هم في حالة يقظة شديدة، لأنهم مستهدفون بقدر استهداف أشقائهم الفلسطينيين، وكلاهما في خندق المواجهة الواحد، ولا يمكن الفصل الميكانيكي بينهم. وهو ما يستدعي من كلا القيادتين العمل سويًا أولًا على المستوى المحلي في كل ساحة؛ وثانيًا تنسيق الجهود الأخوية المشتركة في مواجهة التغول الصهيو أميركي حد الذهاب إلى الإقدام على إتخاذ خطوات دراماتيكية، لإن الضم للقدس العاصمة والأغوار والمستعمرات في الضفة الفلسطينية له ما بعده، ويتعلق بالبعدين، اللذين أشرت لهما سابقا؛ ثالثًا التوجه المشترك للأشقاء العرب، ومطالبتهم بإعادة نظر في السياسات المتبعة تجاه دولة الإستعمار الإسرائيلية، والضغط لوقف الهرولة في عملية التطبيع، وتجميد العلاقات الديبلوماسية مع وقف التنسيق الأمني  مع الدول العربية الأخرى؛ رابعًا التوجه للأقطاب الدولية والأمم المتحدة لتجييش العالم ضد المخطط الإستعماري الصهيو أميركي بهدف وقفه، ووضع حد له، وإعادة الإعتبار لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو1967.

المرحلة حساسة ودقيقة جدًا، ولا يجوز، وليس مسموحًا فيها التراخي أو التردد عن الإقدام بإتخاذ خطوات ذات أبعاد إستراتيجية لحماية الذات الفلسطينية والأردنية والعربية عموما. وتصريح جلالة الملك الهام والإيجابي يندرج في هذا السياق.