لسنا اليوم في بحبوحة من الوقت لتزجيته كما تريد مزايدات الجملة الثورية الفارغة بمزايداتها الشعبوية، خاصة ونحن الآن في مواجهة فارقة في الصراع مع المحتل الإسرائيلي الذاهب إلى أخطر مخططات تدمير المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، من خلال ما تسمى "صفقة القرن" وتحديدًا بتفاصيل مشروع الضم الاستعماري الصهيوني، الذي تنطوي عليه هذه الصفقة المدمرة. 

كل لحظة منذ الآن هي لحظة عمل، في الرؤية والسلوك والموقف، والتي قد بدأت مع إعلان الرئيس أبو مازن، إنه في اللحظة التي تعلن فيها اسرائيل اليمين العنصري المتطرف العمل بمشروع الضم، فإن فلسطين ستكون في حل من جميع الاتفاقيات الموقعة معها، وأن قرارات المجلسين الوطني والمركزي بهذا الشأن ستكون في موضع التنفيذ الحاسم، وفي هذا الإطار لن يخدعنا التلاعب بالكلمات الذي باتت تلجأ إليه الإدارة الأميركية، وقد أدركت هي وإدارتها الإسرائيلية، أن الموقف الفلسطيني بهذا الصدد ليس موقفًا استهلاكيًا ولا استعراضيًا، وأنه على درجة من الجدية والمصداقية ما يجعل "صفقة القرن" الفاسدة، تدخل مأزقًا جديدًا، لا نظن أن الإدارة الأميركية تريده، ولا بأي حال من الأحوال.

وبحكم مصداقية الموقف الفلسطيني هذا، تبلورت وما تزال تتبلور المواقف العربية والإقليمية والدولية، المناهضة لمشروع الضم الصهيوني، بكونه مشروعًا مناهضًا للسلام الممكن، وراميًا لتعميم العنف والخراب في المنطقة العربية برمتها، وعلى نحو باتت هذه المواقف أكثر صرامة، والتي يتصدرها اليوم موقف المملكة الأردنية الشقيقة، والذي أعلنه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يوم أمس الأول، بتأكيده ان مشروع الضم سيخلف صدامًا كبيرًا مع الأردن.

المعركة كبيرة، والصراع يدخل مواجهاته الفارقة، ما يتطلب أبرع تكتيكات السياسة وأصوبها لتجاوز ردة الفعل إلى الفعل المقاوم، والذين لا يفقهون أن السياسة، عمل قائم على المناورة والتكتيك، بالدرجة الأساس، لخدمة استراتيجية محددة، سينظرون إلى تأجيل القيادة الفلسطينية لاجتماعها الذي كان مقررا يوم أمس، نظرة عوراء على أقل تقدير، ولعلها من حيث لا تريد أن ترى ان هذا التأجيل بالغ الضرورة، إذ لن تعلن القيادة الفلسطينية في اجتماعها البدء بخطوات مواجهة مشروع الضم الصهيوني قبل ان تعلن الحكومة الاسرائيلية الجديدة برنامجها السياسي الذي ينطوي عليه هذا المشروع التدميري، ولا شك ان في هذا الموقف دلالة أخرى على مدى مصداقية الموقف الفلسطيني، وجديته البالغة في التصدي لمشروع الضم الاستعماري، وبقدر ما هو كذلك بقدر ما يعبر عن صواب الرؤية السياسية، في تكتيكاتها، وسلامة هذه التكتيكات التي هي قدمي السياسة في دروب عملها الحثيث المناهض للتعجل الانفعالي، وهذا ما لا يدركه الشعبيون والمزايدون الذي أعلنوا انهم لن يحضروا الاجتماع القيادي الفلسطيني، تحت قباب الشرعية، في مقر الرئاسة برام الله، ونعني بالطبع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والذين عادوا وبخاصة حركة حماس، لتنتقد تأجيل الاجتماع الذي حكم عليه إسماعيل هنية بغايات موقفه الإخواني، بأنه سيكون اجتماعًا شكليًا، وهنا لا بد أن نقول ولله في خلقه شؤون ومن خلقه سبحانه وتعالى من لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب!! ضد الاجتماع، وضد تأجيله!!!! وليس في هذا الأمر أحجية، بل هو موقف حماس الإخواني المناهض للوحدة الوطنية الفلسطينية، ولأي برنامج عمل وطني ينهي الانقسام البغيض ويجعل المواجهة الوطنية أكثر فعالية لهزيمة صفة القرن هزيمة مطلقة وبكل ما تنطوي عليه وخاصة مشروع الضم الاستعماري الذي يهدد المنطقة بالعنف والخراب !!