نفذت حماس عملية السابع من أكتوبر وهي تراهن على أسر عدد كبير من الإسرائيليين بالشكل الذي يحول دون قيام إسرائيل بعملية عسكرية مضادة وشاملة في قطاع غزة. وبالفعل، نجحت الحركة بأسر مئات الإسرائيليين الأحياء والأموات، إلا أن إسرائيل على عكس ما توقعت حماس، سرعان ما نفذت عدوانها الشامل على قطاع غزة وقامت بتنفيذ إبادة جماعية مخطط لها بالقطاع. بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يحدد في إعلانه الحرب على حماس في صبيحة السابع من أكتوبر أي هدف متعلق بتحرير أسراه، وإنما أكد هدف تدمير حماس وإعادة صورة الردع لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل استمرت في الحرب برغم تهديدات حماس المتكررة بأن عدداً من الأسرى الإسرائيليين قتلوا أثناء القصف الإسرائيلي. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن نتنياهو لا يأبه كثيراً بموضوع المحتجزين حتى وإن قتلوا جميعاً في الحرب، لأن الأولوية لديه هو القضاء على حكم حماس وإبادة القطاع.

وبرغم ذلك، نجد أن حماس تصر على اللعب بورقة المحتجزين حتى الآن، فهي تعتقد أن بقاءهم لديها ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين هو الانتصار الحقيقي لها في هذه الحرب لا سيما أنها خسرت كل أهداف الحرب التي أعلنها محمد الضيف في بداية عملية السابع من أكتوبر. ولعل هذا يفسر مهرجانات تبادل الأسرى التي قامت بها حماس في الدفعات السابقة للتبادل برغم أنها عرضت أمنها للخطر لاحقاً. من جانب آخر، فإن حماس تعتقد أن احتفاظها بورقة المحتجزين سيجبر نتنياهو على قبول إعادة سيطرتها على القطاع، وأنها دون هذه الورقة ستخلي الساحة لإسرائيل التي ستستمر في احتلالها للقطاع.

في الواقع، إن ورقة المحتجزين لن تجبر إسرائيل على وقف نهائي لإطلاق النار، وهذه النتيجة ليست توقعاً، وإنما خضعت إلى اختبارات كثيرة في كل الهدن السابقة بين الجانبين، حيث استمرت إسرائيل في العدوان على القطاع وقتلت أثناء توغلها العديد من أسراها غير آبهة. وبرغم ضغط حماس المتكرر حول تردي حالة الأسرى الإسرائيليين وتعريض حياتهم للخطر بسبب القصف الاسرائيلي، إلا أن نتنياهو مستمر في العدوان. وهذا بالضبط ما كان واضحاً في محادثات المبعوث الأميركي في الشرق الأوسط ويتكوف. حيث تضمنت هذه المباحثات حقيقة اعتبار ورقة الأسرى التي تملكها حماس لن تحقق لها سوى الأهداف التالية:

- وقف مؤقت لاطلاق النار.

- مزيد من المساعدات.

- خروج آمن لقيادة حركة حماس.

- ضمان عدم اغتيال قيادات حماس الداخلية والخارجية.

وفي إطار هذه المحدّدات، تصر حركة حماس على أن ورقة الأسرى (22 منهم أحياء كما هو متوقع) هي حبل النجاة لها، حيث رفضت مؤخراً عرض الوسطاء مصرّة على أن المفاوضات يجب أن تكون شاملة وتضمن بقاءها في الحكم، كما أكدت حماس على لسان قيادتها بأنها لن تسلم أسلحتها وهو ما يجعلنا نؤكد أن السبب الحقيقي وراء رفض مقترح الوسطاء هو رغبتها فقط في البقاء في الحكم.

وفي ظل المعطيات السابقة، يجب أن نؤكد حقيقة مهمة، وهي أن إسرائيل لو نجحت في تخليص أسراها أو حتى في حال قتلوا في الحرب لن تتوقف عن عدوانها، لأن المحتجزين ليسوا السبب وراء استمرار هذا العدوان، بل إن أهداف الاحتلال هي إبعاد حماس عن المشهد السياسي والإبادة والتهجير ومنع قيام حل الدولتين. وبالضرورة، فإن تمسك حركة حماس بالحكم في القطاع لن يؤدي إلى تغيير هذه الأهداف، كما أن ورقة المحتجزين لن تغير مسار الحل النهائي. بالمقابل، فإن الحكمة تقتضي العودة إلى مقررات القمة العربية والخطة المصرية الفلسطينية التي تقضي بتمكين السلطة الوطنية في القطاع وإعادة الإعمار وإدخال المساعدات. وبالمحصلة فعلى حركة حماس أن تغلب مصلحة الشعب الفلسطيني على مصالحها الحزبية لا سيما في ظل تعالي الأصوات الرافضة لاستمرار حكمها في القطاع.