ما أن كشفت تقارير عن اتصالات مباشرة بين الإدارة الأميركية وحركة حماس يوم الأربعاء 5 آذار/مارس الحالي، بعد انتهاء أعمال القمة العربية الاستثنائية مباشرة في القاهرة، حتى ضجت وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والدولية، وجال وصال المراقبون والمحللون والباحثون السياسيون في قراءة خلفية الاتصالات، باعتبارها حدثًا مفاجئًا وغير مسبوق في سياسة وعلاقات الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ أن صنفت الولايات المتحدة الأميركية الحركة الإسلامية الإخوانية، كحركة إرهابية في عام 1993، وغاب عن الغالبية العظمى من منابر السوشال ميديا والمحللين، إن لم تكن العلاقات البينية بين القطب الأميركي خصوصًا والغرب الرأسمالي عمومًا وحركة الإخوان المسلمين وفروعها المختلفة في أصقاع العالم، مما أوقع الجميع في القراءة المبتسرة والضيقة والآنية، واقتصر التحليل والتشخيص على ردود الفعل، والتركيز على الآثار الجانبية والمباشرة.
وتناسى الجميع أن موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، هو خريج الجامعات الأميركية، وتولى بعد وصوله ولاية كولورادو 1982 بعد شهرين مهمة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين/فرع فلسطين، ثم غادرها مطلع التسعينات إلى الأردن، التي طلبت منه مغادرة أراضي المملكة نتيجة نشاطه المريب، فقرر العودة إلى أميركا عام 1993، وفور وصوله إلى مطار جون كينيدي في نيويورك اعتقلته السلطات الأميركية، وبقي نحو عامين، إلى أن طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين تسليمه لإسرائيل، لكن نتاج اغتيال رابين قبل أيام من بدء إجراءات التسليم، سحبت الحكومة الإسرائيلية طلب التسليم، وعلى إثر رفض دول المنطقة ترحيله إليها، وافق الملك حسين على قبوله للإقامة في المملكة قبل نهاية عام 1997. وخلال فترة الاعتقال تم تجنيد أبو مرزوق كعميل لها، إن لم يكن قبل ذلك، وربطته علاقات وثيقة مع العديد من الشخصيات والمؤسسات الأمنية الأميركية، ولم يكن الاعتقال إلا شكلاً من أشكال التلميع للرجل ليتمكن من القيام بالمهام الموكلة إليه.

وعندما سأله الإعلامي طوني خليفة في لقاء خاص على قناة الجديد اللبنانية، لماذا رفض نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي في حكومته الأولى 1996/1999 تسلمه؟ قال جوابًا متعثرًا ومربكًا، إن نتنياهو "ليس رجل حرب، ولا يريد مشاكل"، وتبين بعد طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، أن رئيس الائتلاف الحاكم رجل إبادة جماعية، وليس حروب عادية، القصد مما تقدم، أن أبو مرزوق كان عنوان وجسر التواصل بين حركة حماس والمؤسسة الأمنية الأميركية.
وعشية الانقلاب الحمساوي على السلطة الوطنية في أواسط حزيران/يونيو 2007، كانت الولايات المتحدة مع دولة إسرائيل وغيرها من دول الإقليم أعطت حركة حماس الضوء الأخضر للانقلاب على الشرعية الفلسطينية. وكان ذلك الانقلاب إيذانًا ومقدمة، ورأس حربة لما سمي الربيع العربي نهاية 2010 ومطلع 2011. والجميع يعلم، أن إدارة أوباما السابقة كانت حاضنة وداعمة حركة الإخوان المسلمين عمومًا، وهي من اعتمد على الجماعة في تبوأ مركز الصدارة في الخريف العربي، وما زالت إحدى أدواتها الأساسية في تنفيذ مآربها في الوطن العربي. كما أن سماح حكومات نتنياهو المتعاقبة لقطر بتمويل حماس، كان بالتوافق المشترك مع الولايات المتحدة. ولاحقًا الإدارات الأميركية السابقة لإدارة ترمب، هي من أعطت الضوء الأخضر للدوحة باستقبال قيادة حركة حماس عام 2012 للإقامة على أراضيها، وهذا ما أكده سفيرها في واشنطن، الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني في مقال نشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023 مع بدء الإبادة الجماعية ردًا على اتهامات بعض أركان حكومة الائتلاف الحاكم في إسرائيل لقطر بدعم الإرهاب، وأكد أن القيادة القطرية لا تتبنى الأعمال التي تقوم بها حركة حماس، وأن دورها يرتكز على المساعدة بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، والوساطة بين الطرفين، وفقًا للتوجهات الأميركية الإسرائيلية.

وعليه فإن الاتصالات الأميركية مع حركة حماس ليست وليدة اليوم، إنما هي قديمة ومتواصلة منذ عقود، وما وضعها على قوائم الإرهاب أسوة بداعش والنصرة وغيرها من الجماعات الإسلاموية المتطرفة إلا بهدف تلميعها، وإعطائها مصداقية في أوساط الجماهير العربية، والحقيقة أن كل تلك الجماعات ولدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، عرابة عمليات تفتيت وتمزيق الدول العربية والإسلامية، وكان لفلسطين نصيب الأسبقية والأولوية في الانقلاب، الذي مازال جاثمًا حتى اليوم على قطاع غزة، وترفض حركة حماس المصالحة والتسليم بولاية منظمة التحرير الفلسطينية والدولة والحكومة الشرعية على قطاع غزة. رغم الإبادة الجماعية المستمرة حتى اليوم على الشعب الفلسطيني في تجماعاته كافة وخاصة في قطاع غزة والضفة الفلسطينية بما فيها العاصمة القدس الشرقية. وبالتالي اتصال آدم بولر مندوب إدارة ترمب مع موسى أبو مرزوق للأفراج عن الرهائن الاميركيين المحتجزين عند حماس، ليس مفاجئا، سوى بالجانب الشكلي، وبالإعلان عنه يوم الأربعاء، لخلط أوراق غير المتابعين والرأي العام، وأيضًا للإيحاء لقادة القمة العربية، أن واشنطن مستعدة لاستبدال أدواتها، ومنح حماس فرصة البقاء، مقابل انتزاع صفقة تجارية سياسية تخدم مصالحها، وكنوع من الإبتزاز للدول العربية ومنظمة التحرير، كون الحركة الاخوانية جاهزة لتقديم التنازلات المطلوبة مقابل إبقائها في المشهد السياسي.
ولا يعني جعجعة الإدارة الأميركية وقبلها حكومة نتنياهو عن تنحي حماس عن حكم قطاع غزة، واتهامها بالإرهاب شيئًا في معادلة الربح والخسارة، والمصالح الاستراتيجية لكلا الحليفين، وخاصة تبديد وتصفية القضية والمشروع الوطني الفلسطيني، وتسيد إسرائيل على كامل أراضي فلسطين التاريخية.