كافة الدول التي احتضنت حماس ودعمتها بالمال والسلاح لم يكن الهدف من دعمها هو تحرير فلسطين، لأن هذه الدول تدرك حتى النخاع، أنها لا تستطيع تحريرها، وإنما كان هدفها شق وحدة الشعب الفلسطيني وجعله منقسمًا على نفسه، ومن أجل إضعاف كيانيته السياسية الوطنية الشرعية، وكل من هذه الدول له هدفه الخاص. وقسم آخر منها هدفه تقديم نفسه كلاعب ووسيط مهمين في المنطقة يمكنه حل العقد التي ساهم في تعقيدها، وحماس بدورها كانت تتلون حسب الداعم والمحتضن، ولكن لها هدف واحد هو إضعاف منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وأن تكون بديلاً لهما. وهناك هدف آخر أهم لحماس هو خدمة جماعة الإخوان المسلمين وتغذيتهم بالمال، والدعم الجماهيري.

ليسأل القارئ نفسه وبالمقارنة مع حماس: لماذا لم تضع حركة "فتح" نفسها في حضن أحد، ولم تكن جزءًا من أجندة أحد وبقت أجندتها فلسطينية، بغض النظر إن كنا نتفق أو نختلف معها؟ ببساطة لأن فتح حركة الشعب الفلسطيني الوطنية والممسكة بقراره الوطني، ولا تقبل فتح معادلة تكون خلالها في حضن أي دولة. في حين حماس ولكونها جزءًا من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، كما ينص ميثاقها، ولم يرد في اسمها أي إشارة إلى فلسطين (حركة المقاومة الإسلامية). تنظيم مثل حماس لكونه تنظيمًا فوق الوطني، يمكنه الاندماج بأي أجندة تخدم أهدافه الإخوانية، ولذلك كان هدفًا للكثير من الدول من أجل إضعاف الشرعية الوطنية الفلسطينية، وبعضهم كانوا يقومون بذلك خدمة لإسرائيل وواشنطن وأكثر للصهيونية العالمية لاعتقادهم بأنها ستحمي وجودهم، وخاصة تلك الدول الصغيرة والغنية.

والغريب في واقع الأمر ليس غريبًا على تلك الدول، إن دعمهم واحتضانهم لحماس قد زاد بعد تأسيس أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية، والتي كان من المقدر لها أن تتحول إلى دولة لو لم تتقاطع مصالح حماس ومن كان يدعمها مع مصالح أقصى اليمين الصهيوني في إسرائيل. ولقد دعمت هذه الدول حماس لتقوم بعملياتها التفجيرية، التي تحولت إلى مادة يحرض اليمين الإسرائيلي بها على السلام وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية واتفاقيات أوسلو.

كافة الدول التي دعمت حماس وتحديدًا إيران لم يكن من بين أهدافها تحرير فلسطين، إنما استخدام حماس كأداة لمساومة واشنطن، ولو كان ذلك على حساب وحدة الشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية. بعض الدول العربية كان همها استخدام حماس بهدف تحسين أوراقها الإقليمية، ومن أبرزهم النظام السوري السابق، نظام حافظ الأسد وابنه بشار والذي كان شق وحدة الفلسطينيين، والاستيلاء على قرارهم المستقل هدفًا استراتيجيًا لهم على امتداد عقود، من بيروت والبقاع وطرابلس وحرب المخيمات، كلها حروب شنها النظام السوري على منظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق الأهداف المشار إليها. وكان باستمرار يجد فصائل، أو أجزاء من فصائل وكانت حماس أكبر غنيمة له خلال التسعينيات وحتى العام 2011 عندما طعنته حماس في الظهر باختيارها هويتها الإخوانية لاعتقادها أن ثورات الربيع العربي ستجلب للجماعة الهيمنة على المنطقة خصوصًا بعد أن سيطرت الجماعة على تونس ومصر وأجزاء من ليبيا.

ولكن وبعد أن انهار حلم الإخوان، وضعت حماس نفسها في الحضن الإيراني، وطهران التقطت الفرصة وذهبت بمشروع محور المقاومة ليصل إلى ذروته عشية السابع من أكتوبر 2023، حيث تمدد النفوذ الإيراني ليفاخر القادة الإيرانيون بأنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية، بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء، بالاضافة إلى قرار قطاع غزة. وكانت عين طهران خلال كل ذلك تتجه نحو واشنطن لعقد صفقة شاملة معها بخصوص ملفها النووي ومشروعية نفوذها في الإقليم.

انتقلت حماس من حضن لآخر وكان مشروعها ومشروع داعميها الانقسام. ومن يدعم الانقسام الفلسطيني بالتأكيد ليس من بين أهدافه لا تحرير فلسطين ولا دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي، وعلى الأخص لن يكون من بين أهدافه دعم قيادته الشرعية التي ترفض تسليم قرار الشعب الفلسطيني لأي طرف.