بقلم: عبد الباسط خلف

اعتاد الستيني عبد الله الشيخ على تدوين أحوال الشتاء والاهتمام بها، لكن صارت لديه منذ كانون الثاني الماضي اهتمامات أخرى.

واسترد حكاياته مع تقسيماته لفصل الشتاء بأربعينيتها وخمسينيتها، وشرحه لسعود الشتاء والفوارق بينها، لكنه قال إن عليه توثيق "أربعينية" من نوع جديد لعدوان الاحتلال على مدينته.

ويخشى الشيخ من أن يبدأ بتدوين "خمسينية" جديدة لتدمير الاحتلال لجنين، قياسًا بحقبة الشتاء الثانية.

وقال بصوت منهك: كان شتاء المدينة ومخيمها وريفها هذه السنة في غاية الحزن، ليس فقط لشح الأمطار ولموجة الصقيع الجافة، لكن بفعل التدمير طوال 40 يومًا بنهارها وليلها.

- ترسانة أسلحة ونزوح

وأحصى الناشط في اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين، علاء جبر، أنواع آليات الاحتلال المستخدمة في العدوان على المدينة ومخيمها وريفها.

وقال: إن "الاحتلال استخدم كل أنواع الأسلحة، بعد 40 يومًا من العدوان على المدينة، الذي بدأ في 21 كانون الثاني الماضي".

وأضاف: أن جيش الاحتلال استخدم دبابات "ميركافا"، ومدرعات "إيتان" القتالية، وسائر أشكال المصفحات، وكافة أنواع الجرافات الثقيلة والعادية، كما استعمل المُسيرات والمتفجرات، وأدخل فرق القناصة، وأعاد تجريف الطرقات والبنية التحتية، ووضع الأسلاك الشائكة، واستخدم لافتات لتغيير أسماء الطرقات، وفرض حظر التجوال في بدايات العدوان، وقتل وجرح واعتقل المئات.

وأشار جبر، إلى أن جيش الاحتلال غير وجه مخيم جنين، إذ أفرغه من نحو 17 ألف مواطن من بيوتهم، وحول المخيم إلى ثكنة عسكرية، ودمر أكثر من 270 منزلاً بشكل كلي وجزئي، وهي إحصاءات غير نهائية، لافتًا إلى أن الاحتلال أحكم قبضته على المخيم، وأقام أمس الجمعة عدة سواتر ترابية على مداخله عَزَلته تمامًا عن المدينة والأحياء المجاورة، كما سحقت مدرعاته بعض المركبات في شوارع المدينة.

- مدينة عطشى وبلا شوارع

من موقعه، لخص رئيس بلدية جنين، محمد جرار، ما حل بالمدينة خلال 40 يومًا، وقال: إن جنين تمر بواحدة من أسوأ فتراتها خلال عقود، إذ دمر الاحتلال نحو 120 كيلومترًا من طرقات المدينة ومخيمها، كما أخرج آبار المياه الرئيسة الأربع: السعادة، وأبو عرب، والتركمان، والبدوي عن الخدمة، وتقلصت كمية المياه التي تصل جنين إلى 20% فقط.

وأوضح أن خسائر المدينة بلغت 280 مليون دولار، فيما يتكبد اقتصادها يوميا خسائر غير مباشرة بأكثر من 15 مليون شيقل.

وأكد بنبرة حزينة أن مهام البلدية ووظائفها تغيرت، ولم تعد تعمل في إطار صلاحياتها، وصارت تلاحق آثار العدوان، وعملت على مدار 33 يوما في صيانة خطوط مياه بئر السعادة، شمال المدينة، إلا أن الاحتلال أعاد بعد ثلاثة أيام تجريفه خلال لحظات.

وذكر أن على أهالي جنين الاستعداد لتغيير أسئلتهم في تتبع الدمار الذي يحل بمدينتهم، والاكتفاء بالاستفسار عما بقي لهم، خاصة بعد تدمير كامل شبكات الطرق والكهرباء والصرف الصحي والمياه في المخيم والحي الشرقي، وتدميرها جزئيًا في ثلاثة أحياء أخرى.

ووصف حال المدينة بـ"المحزن جدًا"، خاصة مع قدوم شهر رمضان في ظرف صعب للغاية، في وقت تسعى دولة الاحتلال لإعادة احتلالها مرة أخرى، وفرض أمر واقع جديد، وإجبار الأهالي على القبول به والتعايش معه.

ووفق جرار، فإن شرائح واسعة من أهالي جنين دخلت إلى "خانة الفقراء الجدد"، وصارت تحتاج إلى إعانات دائمة، فيما تشعر شرائح واسعة من مواطنيها أنها تحاط بالمجهول.

- مستشفى مهدد و27 شهيدًا

بدوره، أكد مدير مستشفى جنين الحكومي، وسام بكر أن الاحتلال دمر عشية اليوم الأربعين للعدوان، كامل شبكة الكهرباء التي كانت تغذي المستشفى، فيما أعاد تخريب شبكة المياه، التي لم تفرغ طواقم البلدية من إصلاحها، خلال عملية إعادة حصار المخيم.

وبين أن المستشفى يعمل الآن بالمولدات، وأن مخزون الوقود يكفي لأسبوع، فيما يخشى من توقف المؤسسة الصحية الحكومية الوحيدة في المحافظة عن العمل إذا ما قرر الاحتلال منع إدخال المحروقات.

وأضاف بكر: إن العدوان خلف خلال 40 يومًا، 27 شهيدًا بينهم طفلتان ومسن في الثالثة والسبعين، وأكثر من مئة جريح، تعامل المستشفى مع ثمانية شهداء وثلاثين جريحًا.

وأوضح أن من بين الجرحى ستة من الكادر الطبي أصيبوا في الأطراف، ثلاثة منهم من طاقم المستشفى، كما لاحق جيش الاحتلال طواقم الإسعاف وأعاق عملها، وفتح النيران صوبها، وهذا يثبت عشوائية العدوان وعدم تمييزهم بين أي شيء.

وقال: إن البنية التحتية في محيط المستشفى تعرضت للتدمير، كما فرض الاحتلال حصارًا عليه أكثر من مرة، وأعاق وصول مركبات الإسعاف، وشاحنات الأدوية، وصهاريج المياه، بعد تدمير الخطوط الناقلة والاعتماد على الخزنات.