في صراع الإرادات بين الشعب الأصلاي والمستعمرين الغزاة ومن يقف خلفهم، خاصةً إذا كان هذا الاستعمار من أبشع وأكثر صنوف الاستعمار وحشية، ويقوم على قاعدة الإجلاء والاحلال، أي النفي والتطهير العرقي للشعب صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري، واستبدال التاريخ وأسماء المناطق والمدن والقرى والشوارع بأسماء مفبركة، لا علاقة لها بالمسميات التاريخية التي حفرت جذورها في وجدان الشعب المتجذر في ترابه الوطني، والسعي لتزوير كل معلم من معالم الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية، أو نسبها له، والقرصنة على تراثه الحضاري والفلكلور والملابس والأكلات الشعبية بهدف اغتصاب وإسقاط وصناعة تاريخ مشوه وكاذب ومتناقض مع هوية أهل البلاد الأصليين، إلا أن مخططه الكولونيالي سيتحطم على صخرة الصمود البطولي للشعب صاحب الأرض والتاريخ.
منذ تأسيس إسرائيل على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وهي تعمل على تغيير معالم الوطن الفلسطيني في مجالات الحياة كافة، بما في ذلك أسماء المدن والقرى والجبال والسهول والوديان الفلسطينية العربية، وعمقت خيارها الأجلائي والاحلالي بعد 4 حزيران/يونيو 1967 على الضفة الغربية، تنفيذًا لمخططها الاستعماري القديم الجديد، ونتيجة تشككها بنجاح مشروع طمس الحقائق الفلسطينية العربية، تعود بين الفينة والأخرى بتجديد التذكير به، لإقناع ذاتها وحلفائها برسوخ خيارها على الوطن الفلسطيني. وتنافيًا لهذا التوجه تم مصادقة الكنيست على مشروع قانون، تغيير اسم الضفة الغربية إلى التسمية الصهيونية اليهودية "يهودا والسامرة"، الذي قدمه النائب سمحا روتمان من حزب الصهيونية الدينية، وصوت عليه ليلة الأربعاء الخميس 13 شباط/فبراير الماضي بأغلبية 33 صوتًا، وعارضه 10 أصوات، وامتنع صوتًا واحدًا، ويقضي القانون بتغيير الأسماء في جميع التشريعات والقرارات الرسمية لدولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية. ووفق نص القانون، فإن التعديل يهدف إلى "تنظيم استخدام المصطلحات الجغرافية في القوانين الإسرائيلية، بما ينسجم مع التوجهات السائدة بشأن العلاقة مع المنطقة".

وفي مداخلة روتمان أمام الكنيست، اعتبر أن استخدام مصطلح "الضفة الغربية" في التشريعات الإسرائيلية "إهانة للكنيست وللشعب الإسرائيلي والدولة والتاريخ". كما وصف مصطلح "الضفة الغربية" بأنه "تعبير استعماري يهدف إلى طمس الصلة الواضحة بين إسرائيل وأرضها"، متبجحًا في ادعائه أن "الحقيقة التاريخية والتوراتية بأن كل أرض إسرائيل تعود للشعب اليهودي وتنعكس في هذا القانون". وضمن هذا المسعى الاسقطاوي والرغبوي، قدم أعضاء حزب الصهيونية الدينية مشروع قانون لفرض "السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة" الفلسطينية، في تكامل المخطط مع هدف تهجير أبناء الشعب الفلسطيني القسري من قطاع غزة، بالتلازم مع خطة الرئيس دونالد ترمب، التي تراجع عنها نظريًا.

وتكريسًا للمخطط الاستعماري الصهيوني التاريخي في السيطرة التامة على فلسطين التاريخية، ورفض استقلال دولة فلسطين المحتلة على حدود 4 حزيران/يونيو 1967، وتشريع الكنيست الإسرائيلي لذلك في قانون سنه وصادق عليه في تموز/يوليو 2024، وتنفيذًا له تقوم القوات الإسرائيلية والأجهزة الأمنية بالهجوم الوحشي على محافظات الشمال في جنين وطولكرم وطوباس وقلقيلية ونابلس وسلفيت منذ 40 يومًا خلت، والتي لن تتوقف عند حدود المحافظات الشمالية بل ستطال محافظات الوطن الفلسطيني كافة. لكنها لن تفلح في تهجير الشعب الفلسطيني من دياره، حتى وإن نزح عشرات الآلاف من المخيمات مؤقتًا، كما حصل في قطاع غزة، فالشعب متمسك بترابه الوطني، ولن يسمح بتمرير المشروع الاستعماري الأخطر، حتى لو وقفت خلفه الإدارة الأميركية الحالية، التي تساوقت بعض مؤسساتها مع التوجه الإسرائيلي.
ومن الأمثلة الدالة على ذلك، إصدار رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي، برايان ماست، تعليمات لموظفي اللجنة باستخدام الاسم الصهيوني "يهودا والسامرة" على الضفة الفلسطينية المحتلة بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967. ووفق الوثيقة التي حصلت عليها منصة الأخبار الأميركية "أكسيوس" من مصدر رسمي مطلع، قام ماست بإرسال طلب إلى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية الـ50 من موظفي اللجنة الجمهوريين بالتوجه الذي تبناه.

ودون ماست في توجيهاته غير الملزمة للأعضاء الديمقراطيين: "انطلاقًا من روابطنا مع إسرائيل، ستقوم لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس بالإشارة إلى الضفة الغربية باستخدام اسم "يهودا والسامرة بكافة المراسلات الرسمية". وعمق رئيس اللجنة أن "جذور اليهود في هذه المنطقة تعود إلى مئات السنين". مدعيًا زورًا وبهتانًا بوثيقته "كممثلين للشعب الأميركي يجب علينا أن نكون جزءً من إيقاف معاداة السامية التي يجب إدانتها، والاعتراف بحق إسرائيل في الأراضي التي هي مهد الحضارة اليهودية". في قلبٍ واضح للحقائق، وإمعانًا في الترويج لبضاعة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون الدولي المزورة، وتشويهًا للتاريخ والجغرافيا والموروث الحضاري للشعب العربي الفلسطيني المتجذر في ترابه الوطني منذ آلاف السنين.
لكن مهما غيروا وزوروا الأسماء والمصطلحات، وحاولوا تغيير التاريخ والانقلاب عليه، إلا أن مشاريعهم الإجرامية مآلها السقوط والفشل. لأن الشعب الفلسطيني ومعه الأشقاء العرب والأصدقاء الأمميين وممثلي الهيئات الدولية سيمنعون تمرير مخطط التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري، وصانع الأساطير الفولاذية بصموده الرائع على أرض الوطن الأم فلسطين.