ماتت الطفلة سيلا، التي لم تبلغ بعد شهرها الثاني، في خيمة عائلتها بردًا، وماتت قبلها بيومٍ شام، التي كانت في عمرها. كما مات خمسة أطفالٍ آخرون في يومٍ واحد، من أيام غزة النازفة والجريحة والمحاصرة، وقد أفقدتها حرب الإبادة الجماعية أهلية العيش، فبات الناس منذ وقت طويل يسكنون العراء والخيام، ولا يمتلكون من وسائل الدفء شيئاً، وفي ظل انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي، تجمدت أجساد الأطفال الرُضع، في الخيام التي لم تمنع المطر والبرد، ولم توفر لهم الدفء.

إنها قسوة الشتاء تعود مرة أخرى للعام الثاني على الناس في غزة، وحرب الإبادة والتطهير العرقي لا تزال مستمرة. ورغم توقفها مؤقتًا، فإن الحصار لا يزال مفروضًا؛ بكل أشكاله وصوره، فلا بيوت جاهزة دخلت، ولا بطانيات أو أغطية توفرت، ولا حتى وسائل يمكنها تدفئة الصغار والكبار، وفي ذروة الأيام الأخيرة، حيث المنخفض الجوي الذي صاحبه بردٌ قارسٌ غير مسبوق، أودى بحياة سبعة أطفالٍ تجمدت أجسادهم وماتوا بردًا.

هل هذا هو قدر الأطفال في غزة؟ قدر الصغار والكبار، أن يموتوا من البرد، وأن يعيشوا وسط الحرمان والقهر والجوع، في خيام رثة وممزقة وبالية، وعلى أرض طينية تغمرها مياه الأمطار التي تتدفق إلى داخل الخيام، فيغرقون في وحل الطين.

مشاهد صعبة يراها العالم أجمع، ولا يتحرك حتى الآن لوقف هذه المعاناة المستمرة، وإنقاذ ما يمكن من أرواح بشر يعيشون وسط المعاناة، ويحيون في ظروف فاقدة لأهلية العيش، وواقع صعب من كل الجهات. فلماذا تقف الإنسانية موقفًا صامتًا، ولماذا لا يتحرك المجتمع لإنقاذ الناس من الموت، ولماذا يصلب صوت ضمير العالم على هذا النحو الذي يجعله أخرسًا، لا يثور في وجه الظلم والاضطهاد؟.

سيلا وشام وغيرهما الكثير من الأطفال الذين ماتوا بردًا، وجوعًا، وقصفًا في هذه الحرب، التي فاقت بدمويتها كل الحروب، وفي بشاعتها، صورٌ لم تعرفها البشرية من قبل، ونحن نرى ونسمع ونشاهد، حيث يقتلنا العجز أمام كل ما نراه من دموية مفرطة وحصار ظالم.

أيها العالم، أنقِذوا الأطفال من هذا الموتِ، وهذا الجحيم.