ما زالت إسرائيل تعيش في زمن المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، وفي زمن اليميني المتطرف جابوتنسكي زعيم الصهيونية التنقيحية اليمينية المتطرفة، والشعار الصهيوني الشهير "أرض بلا شعب". قرار الكنيست الذي رفض إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، واستخدام حماس كفزاعة لإخافة المجتمع الإسرائيلي والرأي العام الغربي بأنها ستسيطر على الدولة الفلسطينية على الفور. أين هي إسرائيل اليوم من حكومة رابين- بيريس التي قررت عام 1993 تبادل الاعتراف مع الشعب الفلسطيني، وتوقيع اتفاقية سلام معه؟ الحكومة الإسرائيلية الحالية هي مقطع متخلف رجعي من التاريخ، مقطع يصر على البقاء في عصر الاستعمار القديم، وهذا الإصرار ليس دليل صحة وقوة، إنما هو دليل أزمة عميقة تهدد بانفجار إسرائيل من الداخل، فلا يمكن أن تستمر طويلاً معادلة الديمقراطية مع الاحتلال والعنصرية.

صحيح أن الواقع الفلسطيني على الأرض ليس كما يرام، ولكن هذا لا يغير من الحقيقة شيئًا. فالفلسطينيون هم مساوون لعدد اليهود من النهر للبحر، وسيصبحون أغلبية خلال سنوات قليلة، كما تتمتع فلسطين الدولة باعتراف 140 دولة. والعالم كله يعتبر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير شرعي وهو واقع قانوني كرسه بشكل أعمق قرار محكمة العدل الدولية الذي صدر يوم الجمعة الماضي. والأهم من ذلك أن نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال لا يزال مستمر، رغم كل محاولات إسرائيل لإسكاته.

قرار الكنيست لم يلغ عمليًا ورسميًا اتفاقيات أوسلو بل هو تعبير على أن إسرائيل عادت إلى واقع ما قبل السلام برمته، فعندما يقول القرار أن لا دولة فلسطينية غرب النهر فإنما تعود إسرائيل إلى نغمة الخيار الأردني، الذي كان يطرحه الليكود في سبعينيات القرن العشرين. كما لا يغيب عن ذاكرة القارئ أن معاهدة السلام المصرية عام 1978، قد تضمنت حكمًا ذاتيًا للفلسطينيين، وفيه مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات يمكن أن تتحول إلى دولة أو كيان فلسطيني يتمتع بنوع من الاستقلال، بالمناسبة من وقع على المعاهدة هو الصقر مناحيم بيغن تلميذ جابوتنسكي واليمن الصهيوني المتطرف.

هذا يعني أن إسرائيل في تلك المرحلة كانت تتطور بشكل يتلاءم مع الواقع أكثر، ومع العصر أكثر والقدر الذي تطور في حينه الموقف العربي والفلسطيني باتجاه السلام. إسرائيل اليوم تعيش أزمة عميقة تهرب خلالها إلى الماضي بدل أن تواجه التحديات بعقل منفتح. ومما يشعر أي مراقب بالاشمئزاز هو طريقة تصويت اليسار وأحزاب الوسط الإسرائيلية، التي نجح نتنياهو بتحويلها إلى نسخة رديئة منه ومن حكومته اليمينية المتطرفة.

إسرائيل غير القابلة للتطور، المتأزمة لا تشكل خطرًا على الشعب الفلسطيني فقط، وإنما على المنطقة والعالم. وحتى ما يمكن وصفه بالعُقلاء والمعتدلين يدركون بأن إسرائيل قد أصبحت خطيرة على نفسها.

إن الاعتراف بالشعب الفلسطيني، ووجود دولة فلسطينية هو ما يمكن أن يمثل خلاص إسرائيل من انغلاقها الايديولوجي، فمن لا يستطيع التخلص من الايديولوجية العنصرية، فإن مصيره أن يؤذي نفسه قبل غيره، وربما تتراجع إسرائيل عن اعترافها بالحقيقة الفلسطينية، ولكن هل سيلغي هذا التراجع الحقيقة ذاتها؟ لم تنجح الصهيونية ومن بعدها إسرائيل الدولة في إلغاء الحقيقة الفلسطينية وقرار الكنيست البائس والرجعي مكانه الوحيد في مزبلة التاريخ.