في المشهد الإقليمي المأزوم، كما أشار اليوم د. ناصيف حتى في مقاله المنشور في جريدة الشرق الأوسط، تتقاطع ثلاث دوامات استراتيجية ترسم حدود النظام الإقليمي القادم هي فلسطين، سوريا، وإيران.
هذه المسارات لا تتحرك في جزر منفصلة، بل تتداخل، تتأثر وتؤثر، تحت وطأة الصراعات، وتقاطعات الجغرافيا السياسية والهويات المتنازعة، لكن يبقى السؤال المصيري: إلى أين تتجه القضية الفلسطينية؟ هل إلى مزيدٍ من التآكل واستلاب الهوية الوطنية؟ أم أن هناك فرصة واقعية لإعادة الاعتبار للحق الفلسطيني المشروع في الحرية وتقرير المصير؟.
ما يجري اليوم في فلسطين ليس مجرد حرب عسكرية مفتوحة بدأت في غزة، بل هو مشروع سياسي عميق يسعى لتصفية القضية الفلسطينية، عبر استكمال ضم الضفة الغربية، وتفتيت الجغرافيا السياسية والوطنية، والتمدد في محيط غزة ولبنان تحت يافطة "الدفاع الاستباقي".
كل هذا يجري بينما تُختزل المسارات السياسية إلى "دبلوماسية الهدن"، وهي أشبه بأنابيب تنفيس مؤقتة تُؤجل الانفجار، لكنها لا تلغيه.
أما التساؤل المطروح حول فرص انعقاد مؤتمر دولي في نيويورك في يونيو المقبل برعاية سعودية– فرنسية لإحياء "حل الدولتين"، فهو رهن بمدى جدية الإرادة الدولية والعربية في كسر المعادلة الصفرية التي تفرضها حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة.
رغم قتامة المشهد، لا تزال فلسطين تقاوم، لا بل تعيد صياغة هويتها الوطنية كل يوم من تحت الركام. فالشعب الفلسطيني لم يسلّم ولن يسلّم برواية الهزيمة، بل يثبت من جديد أن مشروع التحرر الوطني لا يزال حيًا، وأن وحدته الداخلية ومقاومته السياسية والشعبية هما السلاحان الأكثر فاعلية في مواجهة مشاريع الإلغاء والتذويب.
أما على مستوى الإقليم، فإن سوريا لا تزال عالقة بين خيارين: إما المضي في مشروع استعادة الدولة الوطنية على أسس المشاركة والعدالة والتمثيل السياسي الحقيقي لكل مكوناتها، أو الغرق في مزيد من الفوضى والتفكك.
في حين أن مستقبل الملف النووي الإيراني، بكل تشابكاته الأمنية والسياسية، لن يؤثر فقط على الخليج، بل على التوازنات في المشرق العربي كله، وعلى هامش المناورة الفلسطيني تحديدًا.
في ظل هذا المشهد المركب، لا يمكن عزل القضية الفلسطينية عن السياق الإقليمي، ولا عن واقع الاصطفافات الدولية الجديدة.
لكن المؤكد أن أي نظام إقليمي جديد لا يُنصف الشعب الفلسطيني ولا يقرّ بحقه في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، سيكون نظامًا هشًا، محكومًا بمزيد من الأزمات والانفجارات.
بناءً عليه أقول أن فلسطين ليست "تفصيلاً صغيرًا"، كما توهم البعض، بل هي جوهر الصراع، ومفتاح الحل، وميزان العدالة في المنطقة، ورغم كل محاولات التصفية، فإن الإرادة الفلسطينية الحية تواصل الصمود، وتحفر في الصخر، بانتظار لحظة الانفراج التاريخي القادم، التي ستؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الأممي 194 الخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجروا منها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها