بقلم: حاتم أبو دقة
سادت حالة من عدم الاستقرار بين الأسر التي عادت إلى منازلها المدمرة في منطقة الفراحين شمال بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، بعد اتفاق وقف إطلاق في التاسع عشر من الشهر الماضي.
يحاول الأهالي الذين نزحوا من منازلهم قصرًا لمدة خمسة عشر شهرًا التأقلم مع الواقع المؤلم في ظل غياب أدنى مقومات الحياة. وإصرارهم على البقاء اصطدم بعنجهية الاحتلال الذي يحارب وجودهم من جديد، عندما اقتحمت جرافة إسرائيلية معززة بعدة دبابات المنطقة وسط إطلاق نار كثيف، وجرفت خزان مياه وسوّت عددًا من المنازل المحيطة المدمرة بالأرض.
وأكد رئيس لجنة الحي سعدات أبو دقة، أن اللجنة نسقت منذ بدء سريان مفعول وقف إطلاق النار، مع المؤسسات الدولية والجمعيات من أجل إقامة مخيم لأهالي الحي الذين فقدوا منازلهم وباتوا دون مأوى.
وأوضح أن مساعيهم تكللت بالنجاح من خلال التنسيق مع جمعية الإغاثة الزراعية لإقامة مخيم على أراضي استأجرتها اللجنة إلى جنوب الحي لهذا الغرض، ويجري العمل على إنجاز المستلزمات كافة من توصيل المياه وإقامة الحمامات لتعزيز صمود المواطنين وإفشال كل المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى فرض سياسة الأمر الواقع واقتلاع المواطنين من أراضيهم ومنازلهم.
وأضاف: أنه في الوقت الذي تبذل فيه اللجنة أقصى جهد لإنجاز المخيم واستكمال كل التجهيزات قبل شهر رمضان، فوجئت بتوغل قوات الاحتلال في المنطقة وسط إطلاق نار كثيف، لإجبار المواطنين على إخلاء المخيم الذي يبعد أكثر من كيلومترين عن الحدود الشرقية، وما تسمى بالمنطقة العازلة التي تم فرضها خلال اتفاق وقف إطلاق النار.
وشدد أبو دقة على أن اللجنة بالتنسيق مع جمعية الإغاثة مصرة على إنجاز ما تبقّى من مستلزمات للمخيم، رغم محاولات الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع وإجبار الأهالي على النزوح مرة أخرى.
وناشد أبو دقة كل الجمعيات الخيرية والمؤسسات مد يد العون إلى أهالي المنطقة وتزويدهم بككل مقومات الحياة من أغطية وأثاث منزلي لتعزيز صمودهم.
ومن جانبها، أكدت المهندسة عفاف أبو غالي مدير جمعية الإغاثة الزراعية بمحافظتي خان يونس ورفح، أن الجمعية، انطلاقًا من واجبها الإنساني والأخلاقي تجاه شعبنا، عملت على توفير 280 خيمة مع شادرين وحبل لتثبيت كل خيمة، وتم نصب نحو 160 خيمة لتعزيز صمود الأهالي على أراضيهم.
وأوضحت أنه يجري العمل على توفير باقي المستلزمات من فرشات وأغطية ومياه وحمامات حسب الإمكانيات المتاحة.
ودعت كل المواطنين إلى الوجود غدًا في المخيم لاستكمال تركيب باقي الخيام وتتمكن الجمعية من استكمال باقي المستلزمات.
وتعرضت المنطقة التي عانى سكانها الأمرين لعملية تدمير وإبادة جماعية ممنهجة، طالت الإنسان والشجر والحجر منذ بداية الحرب الأخيرة، التي سقط خلالها أكثر من 20 شهيدًا وتدمير أكثر من 300 منزل وروضتين ومسجدين، إضافة إلى تدمير البنية التحتية وخطوط المياه والكهرباء والصرف الصحي كافة.
وبين المهندس عاطف أبو دقة عضو اللجنة وصاحب بئر وخزان مياه لتزويد المزارعين والمنازل بالمياه، أن المنطقة التي يعتمد أهلها على الزراعة فقدت كل شيء وأعادها الاحتلال إلى نقطة الصفر.
وأوضح أبو دقة، أن الاحتلال باستهدافه المنطقة وفرض منطقة عازلة تزيد على كيلومتر، معناه أنه استهدف القضاء على القطاع الزراعي، حيث تشكل المناطق الشرقية سلة الخضراوات للقطاع، ويتم التصدير إلى الضفة الغربية الشق الثاني من الوطن.
وتابع أن مساحة قطاع غزة الإجمالية تقدر بـ360 ألف كيلومترًا وبمجرد فرض الاحتلال المنطقة العازلة معناه أنه سيطر على 60 ألف كيلومتر، أي خمس مساحة القطاع الإجمالية، وأما إذا تم احتساب هذه المساحة التي تعتبر بمجملها زراعية فإنها تشكل أكثر من ثلث المساحة الإجمالية للقطاع.
وتابع أبو دقة أنه تم اقتلاع آلاف أشجار الزيتون والحمضيات والنخيل من المنطقة، علاوة على أنها زراعية بالدرجة الأولى، حيث كل منزل فيها يحتوي على حديقة منزلية تمثل له اكتفاءً ذاتيا من الخضراوات والفواكه بأنواعها، منوهًا إلى أنه تم تدمير الثروة الحيوانية، حيث تم تدمير أكثر من عشر مزارع لتربية الدواجن اللاحمة والبياضة، إضافة إلى مثلها من مزارع الأغنام.
وبدوره، اعتبر عبد الله أبو دقة (59 عامًا) أن ما قامت به قوات الاحتلال من استخدام للقوة المفرطة وإطلاق نار بشكل كثيف على المواطنين لإجبارهم على النزوح رغم اتفاق وقف إطلاق النار، يشكل انتهاكًا وخرقًا للاتفاق.
وأكد أبو دقة، أنه فضل الاستشهاد في خيمته على النزوح مجددًا، معتبرًا أن فقدانه لبيته بالنسبة إليه يعني فقدانه لوطنه، وهذا ما بدا واضحًا في سياسة الاحتلال في تدمير المنازل لإجبار الغزيين على ترك منازلهم، وبالتالي النزوح ثم التهجير.
وأشار إلى أن الاحتلال الذي يستخدم القوة المفرطة في إجبار العائدين على النزوح يقابل بإصرار على الصمود والبقاء، منوهًا إلى أنه لم يغادر خيمته منذ عودته قبل أسبوعين رغم خرق إطلاق النار المتكرر والتوغل، وكان آخر ذلك صباح أمس.
وأكد أبو دقة أنه سيعمل على تشجيع ما تبقّى من النازحين على العودة للإقامة في المخيم بعد استكمال المستلزمات كافة التي نأمل أن تتم قريبًا لقضاء شهر رمضان والعودة إلى الطقوس التي كانت تتميز بها منطقة الفراحين، من تزيين للحي وإفطار جماعي على درب الآباء والأجداد.
وطالب أهالي المنطقة الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان كافة بالضغط على الاحتلال وإلزامه ما تم الاتفاق عليه، وعدم تجاوز حدود ما سماها المنطقة العازلة، التي من المفترض الانسحاب منها مع بدء المرحلة الثانية التي من المفترض دخولها حيز التنفيذ مطلع الشهر المقبل الذي يصادف بداية شهر رمضان المبارك.
وكانت المنطقة تعرضت أمس لعملية توغل وسط إطلاق نار كثيف وإلقاء قنبلة من طائرة "كواد كابتر"، على المصلى الذي تم إنشاؤه حديثًا في المنطقة، حالت عناية الله دون وقوع مجزرة محققة بحق أهالي المنطقة الذين لم يمر سوى بضع دقائق على خروجهم من صلاة العصر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها