بقلم: أسيل الأخرس

"بدأت قصتي عندما زاد شغفي بلعبة الفيديو عبر الإنترنت، بالتزامن مع رغبتي في تكوين صداقات افتراضية، تعرفت من خلالها على فتاة، وأصبح بيننا ثقة، تطورت إلى علاقة ودية، وعلاقة حب حميمية، تخللها تبادل للمعلومات الشخصية، وطلبها إرسال صور شخصية لي في أوضاع غير أخلاقية، وبعد إرسال الصور قامت الفتاة بتهديدي بنشرها إذا لم أقم بتنفيذ طلباتها"، بهذه الكلمات لخص الطفل "س، ل" البالغ من العمر (12عامًا) قصته، ومعاناته مع الابتزاز الإلكتروني.

ويقول والد الطفل "س، ل"، فور معرفتي بما يتعرض له ابني، لجأت إلى المختصين في الشرطة والنيابة العامة ومباشرتهم إجراءات التحقيق تبين أن شابًا يبلغ من العمر 32 عامًا قد انتحل شخصية فتاة للإيقاع بابني.

- ضحيتا ابتزاز

ويتابع والد الطفل قائلاً: لم تنته قصة ابني لهذا الحد، وإنما أصبح يعاني من اضطرابات نفسية، مثل: الاكتئاب، والقلق، والشعور بالخوف، وابتعد عن أصدقائه وعائلته، وأصبح يشعر بالوحدة والخجل، وتأثرت دراسته بشكل لافت، وتغيب عن مدرسته بشكل متكرر، بسبب التنمر من قبل أطفال آخرين، وبعد طلب الاستشارة والمساعدة من نيابة حماية الأحداث المختصة بحماية الأطفال؛ قامت بتوفير كافة الخدمات النفسية والاجتماعية بالتنسيق مع المؤسسات المختصة.  

وفي قضية مشابهة؛ قال مدير دائرة الجرائم الالكترونية بالشرطة، الرائد مهندس محمد مسعود: أن "طفلاً يبلغ من العمر عشرة سنوات، لديه حساب عبر موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" يحمل اسمه وصورته، تعرض لعملية ابتزاز وتهديد من حساب مجهول، بعد أن طلب منه تصوير نفسه عاريًا، مقابل اعطائه حسابات لألعاب "PlayStation"، وبالفعل صور الطفل نفسه، وقام بإرسال الفيديوهات لصاحب الحساب، الذي بدأ بعدها بابتزاز الطفل، وطلب منه فيديوهات أخرى، وقام بتهديده بنشر الفيديوهات الخاصة به على مواقع إباحية، فحينها لجأ الطفل لوالديه، وأخبرهما بما حصل معه، حيث قام والده بالتواصل مع صاحب الحساب الذي استمر بعملية الابتزاز والتهديد".

وحول حيثيات القضية؛ قال مسعود: باشرنا في إجراء عمليات البحث والتحري الإلكتروني اللازم لمعرفة القائم على الحساب المجهول الذي قام بابتزاز الطفل، وتم مخاطبة شركة "فيسبوك" لتزويدنا ببيانات الحساب، والتي بدورها زودتنا بعناوين الـIP، كون هذه الجريمة تطابقت مع معايير الشركة بالاستغلال الجنسي للأطفال، وبالبحث والتحري من طرفنا، تبين أن عناوين الــIP تتبع لشركة أردنية، وبناء عليه تم مخاطبة مكتب عطوفة النائب العام بكامل التفاصيل، كونه هو الجهة المختصة، لاستكمال الإجراءات حسب القانون والأصول.

- إحصائيات عام 2024: 146 شكوى تهديد وقرصنة وانتحال شخصية وتشهير وابتزاز

أظهرت إحصائيات دائرة الجرائم الالكترونية في جهاز الشرطة لعام 2024؛ أنه تم تسجيل 38 شكوى تهديد، و34 شكوى قرصنة، و33 شكوى انتحال شخصية، 21 شكوى تشهير، 20 شكوى ابتزاز، فيما توزعت إلى 87 شكوى مقدمة من إناث من و70 من ذكور.

وفي إحصائيات الدائرة في العام الذي سبقه 2023، فإن الأطفال ممن دون 18 عامًا قدموا 185 شكوى للدائرة، وبلغت نسبة شكاوى الأطفال 7% من مجموع الشكاوى، وكان توزيع شكاوى الأطفال حسب جنس مقدم الشكوى بواقع 46% للإناث 54% للذكور، وتوزعت الشكاوى على النحو التالي: انتحال شخصية 40 شكوى، 38 شكوى قرصنة، 40 شكوى تهديد، 26 شكوى تشهير، 23 شكوى ابتزاز.

- الآليات المتبعة

وعن الآليات المتبعة لتقديم الشكاوى من قبل الضحايا، أوضح أن القنوات التي يمكن من خلالها تقديم الشكاوى متعددة، وأبرزها من خلال دائرة الجرائم الإلكتروني في الشرطة، إذ يمكن التواصل مع وحدة الجرائم الالكترونية في مراكز الشرطة، لتقديم البلاغات المتعلقة بأي جريمة الكترونية، ويتم استقبال الشكاوى بسرية تامة، ويجري التحقيق فيها، من قبل فريق مختص.

وتابع: كما يمكن تقديم الشكوى مباشرة إلى النيابة العامة التي بدورها تقوم باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، والنيابة بدورها تنسق مع الجهات المختصة، مثل: الشرطة وتقديم الجناة للمحاكمة، أمام المحاكم المختصة، أو عبر منصات الإبلاغ الإلكتروني، وتوفر الحكومة الفلسطينية، أو المؤسسات المختصة "بوابات الكترونية"، أو تطبيقات للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية مباشرة وسريعًا، أو عبر مؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، ويمكن التوجه إلى المؤسسات الحقوقية التي تعنى بحماية الأطفال وحقوقهم، مثل "المؤسسات التي تقدم الدعم القانوني والنفسي للضحايا"، وتساعد في تقديم لشكاوى وتوجيه المتضررين نحو الإجراءات القانونية الصحيحة، أو عبر الخطوط الساخنة المجانية التي توفرها بعض الجهات الحكومية والمؤسسات لاستقبال الشكاوى على مدار الساعة، أو من خلال وزارة التنمية الاجتماعية المختصة بشؤون الأطفال، وحمايتهم، والتي بدورها تنسق مع الجهات الأخرى، لمعالجة الشكوى.

وعن جهود الشرطة في مكافحة الجرائم الالكترونية قال مسعود: أنشأت الشرطة دوائر مختصة تعمل على التحقيق في القضايا المتعلقة بجرائم الإنترنت، بما في ذلك الجرائم التي تستهدف الأطفال، بالإضافة الى العمل على تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية، مثل: الإنتربول لملاحقة المجرمين السيبرانيين عبر الحدود.

ونوه إلى استخدام الآليات التقنية السيبرانية المتبعة التي  تتضمن استخدام التكنولوجيا لتعزيز حماية الأطفال على الإنترنت، ومن أبرزها الرقابة على المحتوى، باستخدام أدوات حديثة لرصد الأنشطة غير القانونية عبر الإنترنت، مثل: تعقب المحتوى غير الملائم للأطفال، أو محاولة استغلالهم، وتعزيز دور وحدات الاستجابة السريعة في التعامل مع البلاغات السيبرانية، والحملات التوعوية على وسائل التواصل الاجتماعي، لتعريف الأطفال، وأسرهم بمخاطر الإنترنت، وتدريب الأطفال على استخدام تقنيات الأمان الرقمي، مثل: كلمات المرور القوية، وعدم مشاركة المعلومات الشخصية.

- تحديات وجهود

وعن التحديات التي تواجه عمل الدائرة والجهات المعنية في التحقيق والمتابعة في الجرائم الإلكترونية؛ قال: هناك تحديات على الصعيدين الدولي والمحلي، وفي أبرزها: تعدد الاختصاصات القضائية، وهي المرتبطة بكون الجرائم الإلكترونية، غالبًا ما تكون عابرة للحدود، مما ينجم عنه إشكالية تحديد الاختصاص القضائي بين الدول، وصعوبة ملاحقة الجناة، إذا كانوا يقيمون في دول لا تربطها بفلسطين اتفاقيات تعاون قانوني، أو أمني، إلى جانب التطور السريع بالتقنيات، واستخدام الجناة لأدوات، وتقنيات حديثة، مثل: الذكاء الاصطناعي، والتشفير المتقدم  الذي يصعب إجراءات التحقيق، بالإضافة إلى استخدام الشبكة المظلمة Dark Web في استغلال الأطفال لصعوبة الوصول إلى هذه الشبكات، بسبب طبيعة تقنياتها المتقدمة.

وأكد أن كل من النيابة العامة والشرطة تبذلان جهودًا كبيرة لمواجهة الجرائم الإلكترونية التي تستهدف الأطفال نظرًا لخطورتها على المجتمع ومستقبل الأطفال تتضمن عدة محاور، منها: على مستوى التشريعات والقوانين بإصدار تشريعات وقوانين من خلال إصدار قوانين مخصصة، من شأنها تشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم الإلكترونية خاصة المتعلقة بالأطفال، مثل: التحرش، والاستغلال الجنسي التلاعب الإلكتروني، وحماية الخصوصية، من خلال فرض قوانين تضمن حماية البيانات الشخصية للأطفال.

من جهته، قال رئيس نيابة الجرائم الالكترونية سفيان أبو زهيرة: "إن الآليات المتبعة لحماية الأطفال من التعرض للجرائم الإلكترونية في فلسطين، هي وفق قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون حماية الأحداث، بالإضافة إلى المسؤولية في التوعية، والتي تقع على كافة الشركاء من أجل حماية الأطفال من الوقوع كضحايا بمثل هذه الجرائم، وتضمن النيابة العامة تقديم معالجة تخصصية لقضايا الأطفال من أي فئة، من قبل أعضاء نيابة متخصصين من نيابة حماية الأحداث، ونيابة حماية الأسرة، ونيابة الجرائم الإلكترونية، وبالتعاون مع إدارة حماية الأسرة والأحداث التابعة للشرطة، وبالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية، ومرشدي حماية الطفولة التابعين لها.

وأوضح أن هناك العديد من الجهود المبذولة لتطبيق التشريعات واتباع إجراءات تنظيمية، تهدف إلى توفير إطار عمل لحماية الأطفال من الوقوع ضحايا جرائم على الإنترنت، ومن أهم هذه القوانين لعملنا هو قرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية وتعديلاته، والذي ينظم مكافحة الجرائم الإلكترونية بما فيها الجرائم التي تستهدف الأطفال مثل: التحرش الإلكتروني، واستغلال الأطفال عبر الإنترنت، ونشر المحتويات المسيئة، وينص قانون الطفل الفلسطيني على توفير الحماية القانونية للأطفال من كافة أشكال الإساءة والاستغلال، بما في ذلك عبر الفضاء الإلكتروني، بالإضافة إلى القوانين الجزائية، والتي تفرض عقوبات صارمة على الجرائم التي تستهدف الأطفال، مثل: الابتزاز، أو الاستغلال الجنسي، بجانب الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، مثل: اتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكولات الاختيارية المتعلقة بحماية الطفل من الاستغلال الجنسي والإلكتروني.

وعن الإجراءات المتبعة في تقديم الشكاوى من قبل المتضررين، قال أبو زهيرة: تختلف في حال إذا كان الجاني معروف يتم تقديم الشكوى مباشرة إلى النيابة العامة، أما في حال لم يكن معروفًا، فيتم تقديم الشكوى لدى شرطة الجرائم الإلكترونية التي تقوم بالعمل، حسب اختصاصها.

وبين أبو زهيرة أن عملية ملاحقة المتهمين تكون وفق إطار القانون، وحسب نوع الفعل الجرمي، وتقوم النيابة العامة بتحريك الدعوى الجزائية ضد الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجرائم، كونها تمتلك سلطة التحقيق والاتهام.

- العقوبات

وفي معرض سؤاله عن كيفية التعامل إجرائيًا في حال كان الجاني والضحية من القصر، قال: عند استلام قضية خاصة بالأحداث تستوجب على عضو نيابة الأحداث تحديد سن الحدث، للتأكد ما إذا كان مسؤولاً من الناحية الجزائية عن الفعل أي أنه يبلغ 12 عامًا أو أكثر، ولدينا في النيابة العامة نيابة مختصة بحماية الأحداث، وهناك تعاون وتنسيق مباشر معها في حال كان الجاني من القصر.

وحول العقوبات الخاصة بقضايا الاعتداء الإلكتروني، أوضح: أن قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون العقوبات الأردني الساري في فلسطين بين العقوبات لكل فعل جرمي مخالف لأحكام القانون، وتختلف العقوبة من جريمة لأخرى.

ولفت إلى أن نيابة مكافحة الجرائم الإلكترونية تعمل بالتنسيق الوثيق مع نيابة العون القضائي لضمان ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، خاصة أنها جرائم عابرة للحدود، ويقع العديد من الجناة خارج فلسطين. ويشمل هذا التعاون تبادل المعلومات والأدلة الرقمية، وتفعيل آليات المساعدة القانونية المتبادلة، والتنسيق مع الجهات القضائية الدولية لاسترداد المتهمين، أو محاكمتهم وفقاً للقوانين النافذة.

وأوضح أن هذا التكامل بين النيابتين يأتي في سياق سعي النيابة العامة لتعزيز العدالة وحماية المجتمع الفلسطيني من المخاطر المتزايدة للجرائم الإلكترونية، في إطار تعزيز الجهود لمكافحة الجرائم الإلكترونية.

- دعم وتأهيل الضحايا

وفي حديث حول تأهيل ضحايا وأحداث الجرائم الإلكترونية، قال مدير دائرة رعاية وتأهيل الأحداث في وزارة التنمية الاجتماعية مالك أبو خليل: إن جرائم الابتزاز والتهديد إلكترونيًا أو جسديًا يشكل خطرًا بالغًا على الطفل خاصة، وأن الطفل فاقد لمصادر الدعم، ومن الممكن أن ينظر للتهديد بسناريوهات مرعبة، وتفوق الواقع، ومن الممكن أن يوصله إلى إيذاء الذات، قد تصل إلى الانتحار، في حال لم يجد الدعم والإسناد من أسرته، ومجتمعه.

وعن آثار الابتزاز والتهديد على الأطفال، أشار إلى أن هذه الجرائم تؤثر بشكل مباشر على نفسية الأطفال، ونموهم الجسدي والانفعالي وعلى مستوياتهم التعليمية، وتفاعلاتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية والأسرية، وتشكل صدمة نفسية قد تستمر لفترة طويلة.

ودعا عائلات الأطفال من ضحايا الجرائم الإلكترونية إلى ضرورة أن تقدم لأبنائها الدعم، واللجوء الى جهات الاختصاص الرسمية لملاحقة المعتدين، وبذلك تقدم خدمة للطفل وتعيد له الأمان، وتضع حدا للمعتدين، وتمنع تكرار مثل هذه الجرائم.

ولفت إلى أن الوزارة تقدم خدمات الدعم النفسي والحماية والرعاية للأطفال الضحايا، والأطفال الأحداث، ممن قد ارتكبوا مثل هذه الجرائم.