في حوارٍ هاتفيٍّ أجرته الإعلامية زينب أبو ضاهر عبر قناة فلسطيننا، مع الباحث في المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية والمختص في الشأن الإسرائيلي د. خليل أبو كرش، للحديث حول تنشيط ملف المفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة. أشار أبو كرش إلى أنَّ الحديث اليوم عن تنشيط عملية التفاوض في إطارها العام وليس عن جوهر العملية، وهذا مؤشر على أنَّ هناك بدايةً في الاتصالات ولكن ليس بالضرورة أن تفضيِ إلى الوصول لصفقة هذا من حيث الإطار العام والمبدأ.

وتابع أما المتغيرات هناك العديد منها جرت في الأيام الأخيرة والتي تنعكس بشكل مركزي ومباشر على ما يجري في قطاع غزة، أولاً: الجبهة الشمالية في لبنان جرى التوصل إلى وقف إطلاق النار، بحضور ومشاركة فاعلة من القوى الدولية الولايات المتحدة، وفرنسا، وهذا المشهد شجع الوسطاء وفتح المجال لأن يسحب المشهد من الجنوب إلى غزة. 

ثانيًا: هناك ضغوط كبيرة تمارس من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس بايدن والذي يحاول الضغط ليس فقط على إسرائيل، وإنما على الوسطاء للذهاب نحو صفقة، بحيث تؤسس هذه الصفقة إلى بداية مهمة في الشرق الأوسط، وأيضًا هناك عودة للجمهوريين في الولايات المتحدة وللرئيس ترامب وهذه العودة يخشى منها الكثيرين، خاصةً أنهم يدركون أن ترامب الذي تحدث بشكل واضح قبل أن يصل إلى السلطة بأنه لا يريد حروب في الشرق الأوسط، بل يريد الوصول لصفقة وتهدئه، وبالتالي الإشارات التي تأتي من الولايات المتحدة تشجع تفسح المجال أمام الوسطاء وأمام كل الأطراف للحديث حول هدنه وحول تهدئه.

من جانب آخر الحرب في قطاع غزة، وصلت إلى نهايتها من الناحية العسكرية بحيث عملت إسرائيل طوال الشهور السابقة على تحقيق كل أهدافها العسكرية، وفقًا لتقديرات المؤسسة العسكرية لم يعد هناك ما يمكن تحقيقه في قطاع غزة، أيضًا  من جانب آخر هناك أصوات تتعالى في الداخل غ سواء من عائلات الرهائن وقيادات حزبية والمعارضة هم يطالبون بشكل جلّي بأن تنتهي هذه الحرب، نتيجة لتداعياتها ليس فقط على المستوى السياسي وإنما على المستوى الاجتماعي والمستوى الإقتصادي، وبالتالي مجمل هذه العوامل تشكل ضاغط على صانع القرار في تل أبيب للذهاب نحو صفقة.

وحول استخدام الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن لمنع إصدار قرار بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، علق أبو كرش قائلاً: السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هي سياسة واضحة منذ سنوات تقف إلى جانب اليمين الإسرائيلي، وتساند إسرائيل بشكل مركزي، وتعتقد أن التفوق الإسرائيلي هو الأساس وهو المهم، وأن الوصول إلى أي نوع من أنواع التسوية يجب أن يكون بالمفاوضات بالاتصالات الثنائية وليس من خلال المنظمات والهيئات الدولية، وعندما تستعمل الولايات المتحدة حق النقد الفيتو هي تخالف بشكل كبير المسارات التي تتخذها في المنطقة حيث تستثمر لغويًا في الضغط على إسرائيل، والدفع نحو تهدئة وتسوية، ولكن عندما يتم الحديث عن قرارات دولية تقوم الولايات المتحدة باستخدام حق النقد الفيتو، وهذا يمكن قراءته في سياق القرار الدولي وقرار محكمة الجنايات الدولية التي اتخذت قرارًا مهمًا في الأيام السابقة معتبرةً لكل من رئيس الوزراء في إسرائيل بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش الأسبق يوآف غالانت، مجرمي حرب، وهذا الموضوع يؤذي إسرائيل ويقلقها بشكل كبير، حيث تحاول إسرائيل منع وصول القرارات دولية من خلال علاقتها مع الولايات المتحدة.

وتابع، إسرائيل تحاول تلمس الإشارات التي تأتي من الولايات المتحدة لإحداث حالة من  التوازن بحيث تذهب إسرائيل إلى تسوية مع لبنان، وتشترك الولايات المتحدة في هذه التسوية، بالتالي تحصل إسرائيل على شراكة ثنائية يتيح لها الاستمرار في العمل العسكري واستخباري في لبنان، ويمنح إسرائيل المزيد من الأسلحة والتكنولوجيا.

على صعيد آخر الولايات المتحدة ترفض ما تتخذه محكمة الجنايات الدولية من اتهامات ضد رئيس الوزراء، وبالتالي يحاول المستوى السياسي في إسرائيل إحداث هذا النوع من التوازن بحيث لا يُغضب إدارة بايدن وتذهب نحو قرار دولي ليس صالح إسرائيل، وفي نفس التوقيت يراهن نتنياهو على الإدارة الأميركية الجديدة ولا يريد أيضًا أن يغُضب إدارة ترامب وهو يدرك طبيعة وشكل هذه الإدارة القادمة.

وحول مصير نتنياهو القضائي عرقلته للمفاوضات، وتهربه من المحاكمة، علق أبو كرش، أولاً: نتنياهو لن يذهب إلى وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب في قطاع غزة دون أن يحقق نتيجتين، النتيجة الأولى، أن يصب هذا الاتفاق في المصلحة الجماهيرية ويعيد ترميم شعبية نتنياهو. والنقطة الثانية، أن يحتوي هذا الاتفاق على بنود تؤسس لحملة انتخابية لنتنياهو. 

وعلى صعيد قطاع غزة، قال أبو كرش، شعبنا الفلسطيني في حالة يرثى لها بشكل كبير، لا يوجد ما يبقيه على قيد الحياة، الخدمات الصحية والغذائية والاجتماعية لا تصل، بالإضافة إلى عمليات التطهير العرقي والتهجير تتم بشكل يومي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تنفذ خطة الجنرالات دون أن يعلن تبنيها بشكل رسمي. وفي المقابل هناك تصور لدى حماس التي لا زالت تعتقد أنها تمتلك مفاتيح الإجبار في طاولة التفاوض، وأنها حققت إنجازات تستطيع  نقلها إلى طاولة التفاوض، والمطالبة بوقف إطلاق النار وانهاء الحرب، وانسحاب الاحتلال الاسرائيلي إلى خارج حدود قطاع غزة.

خاتمًا: أنَّ ما يغضب حماس ويُخيفها بشكل مركزي وحقيقي هو قضيتين، أولًا: الجمهور الغاضب، ثانيًا: أن لا تكون متواجد في اليوم التالي للحرب. وبالتالي تبقى حماس تراهن وتغامر بشعبنا في قطاع غزة، ووفقًا لهذا التصور هي تريد الحفاظ على شعبيتها وبقاءها السياسي، ولازالت تفتح الباب للمزيد من المغامرات الغير محسوبة.