تشهد إسرائيل أزمة حادة بين رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو ورؤساء الأجهزة الأمنية، حيث اتهمهم في شريط فيديو مسجل نشره يوم السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي باستهدافه شخصيًا، من خلال اتهام إيلي فيلدشتاين وضابط الصف في الجيش الإسرائيلي، المتهمين في قضية تسريب وثائق أمنية سرية. وزعم بيبي أن الغاية من توجيه لائحتي الاتهام ضدهما، المساس به هو أيضًا، وقال: إن هناك "تسريبات أمنية أخرى وسرقة معلومات دون أن يتم فتح تحقيق بشأنها أو تنفيذ اعتقالات".
ووجه رئيس الائتلاف الحاكم اتهامًا لقادة الأجهزة الأمنية بإساءة الأمانة، وقال: إن "المعلومات المسربة كانت من الكابينيت المصغر، أي من الحلقة المصغرة في القيادة الإسرائيلية، ولا أعرف إن كان رئيس الحكومة يدرك خطورة هذا الاتهام، أو كان أيضًا قادة الأجهزة الأمنية يدركون الاتهام الذي وجهوه لمساعد ومستشار نتنياهو، الذي هو فعلاً اتهام واضح لرئيس الوزراء. لا سيما وأن هذا التراشق الإعلامي وعلى الملأ بين أركان القيادة الإسرائيلية بشقيها السياسي والأمني يحمل في طياته تداعيات تمس مركبات الدولة العميقة الإسرائيلية، وأثره على مستقبل الدولة العبرية.

وكما يعلم الجميع، أن التناقضات بين المستويين السياسي والعسكري الأمني ليست جديدة، بل إنها برزت منذ لحظات الإبادة الجماعية حول ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفي ملف إبرام صفقة التبادل للأسرى، وإفشال كل المبادرات التي تم التوافق عليها مبدئيًا من خلال الوسطاء العرب، وحتى قرار مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 2735 الصادر في 10حزيران/يونيو الماضي تم إفشاله، وتواطأت معه إدارة الرجل الكسيح في البيت الأبيض، الذي هو بالأساس رؤية ومحددات نتنياهو نفسه، التي أرسلها برسالة للرئيس الأميركي جو بايدن، وتعمقت التناقضات مع إقالة وزير الحرب السابق، يوآف غالانت مع إغلاق صناديق الانتخابات الأميركية في 5 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي، بعدما أظهرت نتائج الانتخابات الأولية فوز الرئيس دونالد ترامب. وكأنه كان ينتظر لحظة فوز الرئيس الأميركي الـ47 ليقدم على خطوته المذكورة.
ووفق كل المصادر الإسرائيلية العليمة، ووسائل الإعلام المختلفة، فإن رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم سيواصل عملية التطهير في المؤسسات العسكرية والأمنية، والعمل على إقالة قادة الأجهزة ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وبالتلازم مع ذلك، تتواتر الدعوات من قبل أركان الحكومة الإسرائيلية بإقالة المستشارة القضائية، وذلك بهدف الإطباق على مقاليد الحكم في إسرائيل، ليصبح رئيس الوزراء الحاكم بأمره، ويعزز مركزه الدكتاتوري، ويحقق حلمه بأن يكون الملك المتوج على الدولة الإسرائيلية اللقيطة، مما سيفسح له المجال واسعًا لتحقيق أهدافه الشخصية والأيديولوجية في آن.

وأهداف نتنياهو ليست خافية على قادة الأجهزة الأمنية، ولا على قيادة الجيش، ولا على المستشارة القضائية، وبالضرورة ولا على المعارضة الإسرائيلية المتهالكة والضعيفة. ولهذا سعى ويسعى قادة الأجهزة لدرأ الأخطار المحدقة بهم وبمستقبل الدولة الإسرائيلية، لأنهم يدركون جيدًا ما يرمي إليه الزعيم الممسك بقرون الدولة الخارجة على القانون، ويعلمون أنه يمكن أن يلجأ لكل الوسائل والأساليب الرخيصة والمبتذلة، ولديه الاستعداد للتزوير والتلفيقات لتكريس مآربه، وبالتالي لديه الاستعداد لارتكاب كل ما يخطر بالبال، وما لا يخطر على البال، لإقالتهم وتهديد مستقبل الدولة فوق النازية لبلوغ غاياته، كما فعل نيرون في حرق روما.
ووفق تقديراتي المتواضعة، إن ما يجري من تبادل للاتهامات بالخيانة وسوء الأمانة، والتشكيك من قبل الطرفين ببعضهما البعض، وانفلات عملية التحريض العلني بين القوى المتصارعة في طريقة وآليات إدارة الحرب الهمجية، على الشعب العربي الفلسطيني، وكيفية إدارة العملية التفاوضية لإبرام صفقة تبادل الرهائن والأسرى الفلسطينيين، وقبل هذا وذاك المنهجية التي يتبعها بيبي في إدارة الحكم، وتهديده "الديمقراطية الإسرائيلية" الشوهاء، قد تحمل في طياتها تعميق التناقضات بين الأقطاب المتصارعة، مما سيضاعف من أخطار ذلك على مستقبل الدولة الإسرائيلية، والتي قد تدفع بانفلات الضوابط القانونية والسياسية والدينية والاجتماعية مع تعمق الأزمات المختلفة، التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، ويفتح فوهة بركان الحرب الأهلية تدريجيًا، في حال لم يتم ضبط سقف التناقضات، وتأجيل الإنفجار الكبير، الذي سيؤدي إلى زوال الدولة فوق النازية، لا سيما وأنها تحمل بذور فنائها في مركباتها المختلفة.