شهد الموقف الأوروبي، وفي مقدمته الفرنسي، تحوّلاً لافتًا في مقاربته للقضية الفلسطينية، تجلى مؤخرًا في تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون حول دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كجزء من حل سياسي شامل يقوم على مبدأ الدولتين. هذه التصريحات، التي جاءت بأربع لغات لتخاطب العالم أجمع، تعكس تطورًا في الإدراك الأوروبي لمسؤولياته الأخلاقية والسياسية تجاه واحدة من أقدم قضايا الصراع في العالم المعاصر.
موقف ماكرون، رغم اشتراطه دولة فلسطينية "بدون الفصائل"، يحمل دلالات مهمة، أهمها التراجع النسبي عن الانحياز الأوروبي التقليدي لإسرائيل، والاقتراب – ولو جزئيًا – من سردية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
إن ما طرحه الرئيس الفرنسي ينسجم مع متطلبات العدالة الدولية، ويعيد التذكير بأن الحلول الأمنية والعسكرية أثبتت فشلها في إنهاء الصراع، بل عمّقته وزادته تعقيدًا.
فاستمرار العدوان على غزة، ومحاولة إقصاء كل مكون فلسطيني وفرض واقع سياسي أحادي، لا يخدم لا أمن إسرائيل ولا استقرار المنطقة، كما أشار ماكرون نفسه.
ويكتسب هذا التوجه الفرنسي أهمية إضافية في ضوء انعقاد مؤتمر دولي محتمل في يونيو برئاسة فرنسا والسعودية، قد يكون نقطة تحوّل إن أحسنت أوروبا– ومعها المجتمع الدولي – البناء عليه. فموقف أوروبي موحد يعترف بالدولة الفلسطينية، لن يكون مجرد "رمزية"، كما تدعي إسرائيل، بل خطوة سياسية وأخلاقية ضاغطة يمكن أن تفتح أفقًا جديدًا للحل.
إن أوروبا، التي طالما كانت شريكة في صياغة النظام الدولي، مدعوة اليوم إلى تفعيل دورها، وكفّ يد الاحتلال، ودعم مشروع السلام الحقيقي، لا السلام المفروض بالقوة، ولعل اللحظة الراهنة، بما تحمله من مآسٍ في غزة، تشكل اختبارًا حقيقيًا لصدقية المبادئ الأوروبية في دعم حقوق الإنسان، والشرعية الدولية.
ببساطة، اعتراف أوروبا بالدولة الفلسطينية ليس منّة، بل استحقاق قد تأخر كثيرًا، وما لم يُنفذ حل الدولتين الآن، فقد لا يبقى لاحقًا ما يمكن حله.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها