تواصل حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم عمليات التهويد والمصادرة على الأراضي في الدولة الفلسطينية المحتلة بخطى حثيثة وفق مخطط استعماري تصفوي للقضية والكيانية الفلسطينية والمشروع الوطني، وبخطوط متوازية في آن بين الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتهجير القسري وعودة الاستيطان الاستعماري، وفي ذات الوقت تصفية المخيمات الفلسطينية في عموم الضفة الغربية وخاصة في محافظات الشمال من خلال العدوان المتواصل على مخيم جنين ومخيمات طولكرم ونابلس وطوباس والفارعة، وتقطيع أوصال المحافظات والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بما يزيد عن 900 حاجز وبوابة، وتوسيع الاعتقال للشباب الفلسطيني في مختلف المحافظات، وشق الطرق الالتفافية للسيطرة على القدس العاصمة، بالتلازم مع اغتيال الأبرياء من الشباب الفلسطيني دون سبب، والقرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية لتجفيف مصادر الدخل، وزيادة العجز المالي في موازنة الدولة الفلسطينية المحتلة، وفرض القوانين المدنية الإسرائيلية على الضفة، وتشريع البؤر الاستيطانية، وتوسيع بناء الوحدات الاستيطانية في المستعمرات المقاومة، وإقامة مستعمرات جديدة، حيث بلغت المساحات المسيطر عليها العام الماضي 52 ألف دونم، والقضم التدريجي للمنطقة (ب) وحتى المنطقة (أ) لتضييق الخناق السياسي والاقتصادي والتجاري والاجتماعي على أبناء شعبنا لدفعهم للتهجير القسري من وطنهم الأم فلسطين.
وتعميقًا لعمليات التهويد والمصادرة وتوسيع دائرة الاستيطان الاستعماري في الضفة الفلسطينية، صادق الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي على مخطط تقدم به وزير الحرب، يسرائيل كاتس، الهدف منه شق طرق جديدة في محيط العاصمة الفلسطينية الأبدية، القدس للربط بين المستعمرات الإسرائيلية في المنطقة وتوسيعها، وتحديدًا في محيط مستعمرة "معاليه ادوميم"، ويتضمن المشروع شق طريقين رئيسين، الأول، طريق فصل عنصري يربط بين بلدتي العيزرية والزعيم في القدس، ويخصص لحركة السيارات الفلسطينية بعيدًا عن المرور بكتلة مستعمرة "معاليه ادوميم". والطريق الآخر، ويطلق عليه الطريق البديل رقم 80، وهو مسار التفافي شرق المستعمرة ذاتها، يربط بين العيزرية والمنطقة الواقعة قرب قرية الخان الأحمر إلى الشرق من القدس العاصمة.
ولا يقتصر الأمر عند حدود شق الطرق، إنما السطو على أموال المقاصة الفلسطينية بإقامة صندوق خارج الميزانية العامة الإسرائيلية، وخصص للطريق الواصل بين قريتي العيزرية والزعيم مبلغ 335 مليون شيكل، و10 مليون شيكل لطريق البديل رقم 80، وتفيد المصادر الإسرائيلية المطلعة، أن تمويل شق الطريق سيكون من أموال المقاصة الفلسطينية، دون بحث ذلك مع ممثلي الدولة الفلسطينية أو مجرد إشعارها بالأمر.
وأشاد مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالمخطط المذكور والمصادق عليه من الكنيست، والذريعة المساقة، التقليل من الازدحام بين القدس والمستعمرة، بيد أن الهدف المراد، تعزيز الاستيطان الإسرائيلي مستقبلاً في منطقة (E1)، وتوطيد الأمن الإسرائيلي، حسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وأضاف مكتب نتنياهو: تكمن أهمية الطرق، في تعزيز أمن المستعمرين الإسرائيليين، وتطوير المستعمرات، وانشاء ممر استراتيجي يربط بين القدس و"معاليه أدوميم" وغور الأردن وهذا ما أكده وزير الحرب والابادة كاتس، وأثنى عليه وزير المالية سموتريش، ووصف المشروع، بأنه يهدف إلى تحسين البنية التحتية للمستعمرات، وربطها ببعضها البعض، دون الإشارة إلى أن تمويل الطرق سيتم من أموال المقاصة الفلسطينية. وقد سبق أن دعم الطرق في المراحل الأولى نفتالي بينت، الزعيم السابق لحزب "البيت اليهودي"، الذي كان زعيمه آنذاك، ثم انفصل عنه، وحينئذ عام 2020 كان يتولى وزارة الحرب في حكومة نتنياهو السابقة.
وفي مفارقة مبكية مضحكة، أطلق على الطريق اسم مناقض لأهدافه الاستعمارية، وهو "نسيج الحياة". لأن الجيش الإسرائيلي يسعى لتسويقه كطريق يعزز "نمط حياة الفلسطينيين"، ويشكل "نسيج حياة" بين شمال الضفة الفلسطينية وجنوبها، في حين الهدف الحقيقي لا يمت بصلة لذلك، كونه يستهدف تقطيع أوصال الضفة والتحكم بحركة الفلسطينيين، والحؤول دون وصولهم لمناطق واسعة من الضفة، ويعمق عملية الضم للمستعمرات المحيطة بالقدس العاصمة، ضمن مشروع ما يسمى "القدس الكبرى".
ولتهيئة الظروف للبدء بالمخطط، وضم كتلة المستعمرة "معاليه أدوميم" وبناء 12 ألف وحدة استيطانية فيها، والتمدد باتجاه منطقة (E1)، كانت حكومة نتنياهو سحبت في حزيران/يونيو 2024، صلاحيات البناء والتنظيم في محيط القدس من مؤسسات الدولة الفلسطينية المختصة، لتلغي صلاحياتها عن نحو 3% من مساحة المنطقة (ب) ونقلتها للإدارة المدنية في جيش الإبادة الجماعية.
وكما هو معروف، أن مخطط (E1) الاستعماري يعتبر من أهم المخططات الإسرائيلية لتهويد العاصمة القدس، والمشروع يعني بالانكليزية "شرق واحد" East One، أي تعميق التواصل الجغرافي بين مستعمرات شمال شرق القدس، ويقوم على مساحة 12 كيلو مترًا مربعًا، ويمتد ما بين مستعمرة "معاليه ادوميم" ومركز مدينة القدس الشرقية، ويقع على حدود عدد من البلدات الفلسطينية: عناتا والعيزرية والزعيم وغيرها، كل ما تقدم، يكشف أهداف طرق كاتس وزعيمه نتنياهو وزميله سموتريش وباقي أركان الائتلاف، وهو ما يتطلب من القيادة الفلسطينية ليس التنبه لأخطار المشروع الاستعماري الجديد، بل العمل على تعطيل ووأد المخطط، لحماية الكيانية الفلسطينية، وذلك من خلال تصعيد المقاومة الشعبية والسياسية والديبلوماسية والقانونية، وإعادة ترتيب شؤون البيت الفلسطيني، واشراك الأشقاء العرب، وأيضًا دول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا الاتحادية وهيئة الأمم المتحدة وغيرها من الحلفاء والأصدقاء في أفريقيا وأميركا اللاتينية لتحشيد القوى المؤثرة في العالم لوقف الإبادة الإسرائيلية في الوطن الفلسطيني دونما استثناء، وإن كانت تحتل غزة الأولوية الآن وخاصة فيما يتعلق بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية كافة والضغط للانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع ومخيمات الضفة، والشروع بمشروع إعادة الإعمار وصولاً للحل السياسي واستقلال وسيادة دولة فلسطين على أراضيها وفي مقدمتها القدس الشرقية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها