وسط معاناة مستمرة، تعد النازحة ميساء الناطور إفطارًا رمضانيًا لعائلتها داخل منزل بسيط لجأت إليه بعدما دمر الجيش الإسرائيلي منزلها في مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، خلال عدوانه المتواصل منذ 52 يومًا.
الناطور، التي نزحت وعائلتها بملابسهم فقط، تستعين بأدوات منزلية بسيطة ومحدودة تبرع لها بها أهالي حي "جبل أبو ظهير"، القريب من المخيم.
وجبة الإفطار المتواضعة المكونة من حساء عدس وطبق من الطماطم المقلية والقليل من السلطة والحمص، تعكس الواقع الإنساني الصعب للنازحين الفلسطينيين، الذين أفقدهم الاحتلال كل ممتلكاتهم.
هذه المائدة غابت عنها تفاصيل شهر رمضان التي اعتادت عليها العائلة سنويًا، والتي كانت تجمع أفرادها وسط البهجة، والأنس، وأجواء تحفها السكينة والهدوء، اللذين أعدمهما الاحتلال بعدوانه المتواصل.
كما فقدت عائلة الناطور إلى جانب منزلها المكون من ثلاثة طوابق، مصدر رزقها الذي كانت تعتاش منه، حيث دمرت جرافات الاحتلال المركبة التي كان يعمل عليها رب الأسرة.
الظروف الإنسانية الصعبة التي تعيشها عائلة الناطور تعكس حال نحو 40 ألف نازح من مخيمات طولكرم ونور شمس وجنين.
النازحون الذين يندرج نصفهم من مخيم جنين تهجروا في عدة بلدات وأحياء فلسطينية، فبعضهم لجأ إلى مراكز نزوح، والبعض الآخر توجه لمنازل بسيطة مؤقتة، قدمت لهم كمساعدات طارئة.
- "نزحنا بلا شيء"
بينما تجهز الإفطار، قالت الناطور: إنها نزحت من حي الحواشين بالمخيم، منذ بدء العدوان، حيث استهدفه جيش الاحتلال بشكل كبير، ما خلّف أوضاعا صعبة للغاية.
وأضافت: "خرجنا دون أن نحمل معنا شيئًا، الوضع صعب للغاية ومأساوي، لا نملك أي مقتنيات لا نعلم أين نذهب".
وأردفت قائلة: "سكنت في بيت والدي ثم عند شقيقي، وضع صعب وضغوط نفسية، روتين حياتي وعائلتي مختلف عن بيت أخي، وكذلك الأمر لهم".
وتوضح أن منزل شقيقها الذي لجأوا إليه كان فارغًا، إلا أن الجيران وأهالي الحي تبرعوا ببعض المقتنيات، بما ساعدهم في تسيير أمور حياتهم.
وذكرت أن شهر رمضان يمر هذا العام "صعبًا عليهم"، بعد تدمير منزلهم، وفقدانهم مقتنياتهم كافةً.
وبيّنت أن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة أفقدتهم "رفاهية اختيار وجبات الإفطار التي يرغبون بها"، مضيفة: "لكننا ندبر أمورنا بأي شيء والحمد لله".
وأشارت إلى أنها خاطرت بنفسها وزوجها وعادت للمخيم، من أجل جلب بعض مقتنياتهم، إلا أن ذلك لم يكن ممكنًا جراء تدمير المنزل بشكل شبه كامل.
عائلة الناطور تفقد منزلها للمرة الثانية، فسبق أن دمره جيش الاحتلال في عام 2002.
- "مصير مجهول"
بدوره، يقول الزوج محمد الناطور: إنه يعيش أيامًا هي الأصعب في حياته، بعدما فقد منزله ومصدر رزقه بالعملية العسكرية المتواصلة في جنين.
ويقارن الناطور بين رمضان ونظيره بالسنوات السابقة، قائلاً: "كنا نعد ولائم إفطار جماعية، تجتمع العائلة الكبيرة فيها، اليوم العائلات مشتتة بين ضواحي المدينة والبلدات المجاورة لجنين".
ويُشير إلى أن الأصعب من ذلك هو "المصير المجهول" الذي يتربص بهم بعد انتهاء العدوان في جنين، وأنهم لا يعلمون إن كانوا سيعودون إلى المخيم أم لا، وإن كان سيتاح لهم إعادة بناء منزلهم من جديد أم لا.
وتراود هذه الأسئلة مئات النازحين الذين يتخوفون من استمرار اجتياح مخيماتهم حتى نهاية العام الجاري.
يُذكر أن وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس قد أوعز بمواصلة احتلال مخيمات للاجئين الفلسطينيين شمال الضفة حتى نهاية العام الجاري.
يُشار إلى أن 120 منزلاً قد هدم بشكل كلي في المخيم، وعشرات المنازل بشكل جزئي، كما هُجر قرابة 20 ألف مواطن، منذ بدء العدوان، كما حرم قرابة 15 ألف طالب وطالبة من الذهاب إلى مدارسهم في المدينة.
وقد ارتفع عدد الشهداء منذ بدء العدوان غير المسبوق على محافظة جنين إلى 34 شهيداً وعشرات الإصابات والجرحى.
هذا ولم تتوان الحكومة الفلسطينية في تقديم المساعدة العاجلة لأبناء شعبنا في محافظات شمال الضفة، حيث بلغ مخصصات الحكومة للتدخلات الطارئة في أقل من 4 أشهر 34 مليون شيقل، كما جرى تسيير أكثر من 30 شاحنة من المساعدات الغذائية والصحية، و2.3 مليون شيقل لتعبيد وتأهيل الطرق داخل مدينة جنين، و300 ألف شيقل لتأهيل شوارع المخيم، دون إضافة طبقة الأسفلت، وصيانة الصرف الصحي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها