ليس سلوكًا منحرفًا، ولا مهمة ينفذها عن قصد متطوع أو منتسب فعلاً للطابور الخامس وحسب، بل جريمة يجب إخضاع مرتكبها للقانون، فاستغلال حدث جلل، إنساني فردي أو جمعي أو على مستوى وطني لبث سموم الفتنة، وحرف الأنظار عن جرائم جيش منظومة الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي العنصري، عمل يصنف في خانة الإضرار بالأمن الوطني، وإضعاف الجبهة الداخلية التي أحوج ما تكون في اللحظات العصيبة إلى تسييد العقلانية والحكمة، والانتماء الوطني والالتزام بالقيم الأخلاقية، وبذل الجهود لرفع مصالح الشعب وتقديمها على الاعتبارات الشخصية والفئوية والحزبية.
لا يمكن تبرير أي جريمة من هذا النوع بينما دماء المواطنين الشهداء والأبرياء على حد سواء لم تجف بعد، فهنا لا يمكن الحديث عن انفعالات عاطفية أو ردود فعل غاضبة، وإنما عن مهمة تنفذ لصالح (العدو)، فالتستر على قاتل والتمويه لحظة تنفيذ جريمته، أو إثرها مباشرة، أو نشر كلام دخاني يعمي البصر، بقصد تشويه الحقائق، وحرف الأنظار عن العدو القاتل لا صلة له بحرية التعبير، ولا بالمواقف الشخصية التي تذوب في بوتقة المصلحة الوطنية العليا لحظة الحدث، حتى لا يستغلها المحتلون القتلة العنصريون كنقاط ضعف تعزز اختراقاته، وتركيز ضرباته في أجواء مشحونة بدعاية خافضة للروح المعنوية، أو محفزة بذات الوقت على الفوضى، وتعميم حالة الإخلال بالنظام.
تتواكب أشكال هذه الجريمة مع كل حدث على مستوى الوطن، حتى قبل انسحاب قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي القاتل، التي ترتاح مطمئنة إلى ما يمكننا اعتباره جيشًا إلكترونيًا من الخصوم السياسيين للمشروع الوطني الفلسطيني، بموازاة جيش من ذوي النفوس الأمارة بالسوء، جيشان كامنان في جبهتنا الداخلية يستكملان المهمة التي تكون قد بدأت بتصفية أو اغتيال مواطن أو (مجموعة) في مكان ما من أرض الوطن، فيصير كلام موظف في مؤسسة رسمية فلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي حول (الحدث) محور الاهتمام والمتابعة، وقصف المؤسسة الرسمية والسلطة الوطنية بوابل من قذائف الشتم والقذف والتخوين التكفير من العيار الثقيل، فيغفل المنفعلون والمتفاعلون عن (المجرم القاتل) أي جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويتوهون في زحمة الكلام المثير اللاأخلاقي، والشائعات المؤلفة سلفا في مجمع لغات الشاباك والموساد والشين بيت، فيما أهل الضحية، وجهات الاختصاص الوطنية منشغلة في التفكير والعمل على مواجهة الحملة التالية من منظومة الاحتلال التي غالبًا ما تكون تدمير ونسف بيوت الشهداء، وتشديد الحصار على مناطق ومخيمات، والتنكيل بالمواطنين، ومنح المستوطنين المجرمين الضوء الأخضر لاستباحة دماء المواطنين الفلسطينيين الأبرياء.
الجريمة هي الجريمة، لكن تدخل شخص ما لتبرئة منظومة الاحتلال الإسرائيلي وجيشها القاتل، وتوجيه الاتهام للسلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، في أسوأ وأفظع استغلال لدماء الشهيد الشاب أحمد السعدي، ومحاولة استغلال وجود وسائل الإعلام مع والد الشهيد لبث (إشاعة شاباكية) والقطع على كلام والد الشهيد الذي أكد أن ابنه كان مطلوبا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فحرف الاتجاه مئة وثمانين درجة عندما قال الشخص كذباً وبهتانًا بأن الشاب السعدي كان مطلوباً لأجهزة أمن السلطة الوطنية الفلسطينية.
نعتقد بضرورة إسراع سلطة القانون للنظر بهذه القضايا، فالاتهامات القالبة للحقائق رأسًا على عقب، والتغطية على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، عبر بث الإحباط واليأس، ونشر الإشاعات والأكاذيب المؤثرة على الروح المعنوية للمواطنين، كلها جرائم يحاسب مرتكبها حسب نصوص القانون، فنحن لا نملك أسلحة كتلك التي في حوزة منظومة الاحتلال، لكننا نمتلك أسلحة الإرادة، والانتماء، والوطنية، لا نسمح لأي كان بتعطيلها أو ضربها، ومن يفعل فإنه شريك في جرائم الاحتلال.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها