الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل التي يقف فيها نفتالي بينيت على حافة الانهيار، لن تمر في إسرائيل مرور الكرام، وأول تجلياتها التي تتطلب منا فلسطينياً أن نراقبها بأعلى درجات الدقة والانتباه والمسؤولية، هي أن هذه الأزمة الجديدة في إسرائيل، ستكشف أول ما تكشف عن الازدواجية المتناقضة التي تسير هذه الدولة العجيبة، بين من يتعاملون مع إسرائيل كأنها دولة حقيقية كاملة الأوصاف والأركان، وبين من يتعاملون مع إسرائيل على أنها مجرد عصابة، عصابة مدججة بالسلاح وبدعم قوي من دول المسيحية الصهيونية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أما العصابة في إسرائيل فهي عصابة كبيرة، ومهيمنة لا يوجد طرف إسرائيلي يستطيع مواجهتها، فمفردات هذه العصابة خير من يعرفها في العالم كله هم نحن الشعب الفلسطيني بجميع مفرداته، فلسطينيو الداخل، داخل الخط الأخضر، في الجليل والمثلث والنقب، وداخل المدن المختلطة حيفا وعكا والناصرة ة اللد والرملة ويافا وبئر السبع، فهؤلاء الذين منذ عام النكبة الفلسطينية في عام 1948 لا يستطيعون تنفس الهواء إلا بمعجزة، ولكنهم أنجزوا المهمة المقدسة بنجاح، وهم لا يعيشون فقط بل يحافظون على الميدان العظيم.
و الفلسطينيون في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة الذين منذ احتلالهم في عام 1967، لا يستطيعون مواصلة الحياة إلا بإبداعهم النضالي العالي والخارق النوعية، ثورة أطلقتها فتح في مطلع عام 1965، وانتفاضة أولى وثانية، وفعل يومي من نوع المعجزات، وهم الذين يجبرون إسرائيل أن تطل على الدنيا كلها باسمها الحقيقي أي العصابة، وأريد أن أذكر مثالاً أو مثالين، الأول: هو هذه الجريمة الإسرائيلية النكراء التي اسمها الاعتقال الإداري، كل الأجهزة الأمنية المترفة بالتقنيات الحديثة التي تملكها إسرائيل لا تستطيع أن تثبت ضد المعتقل الإداري قيامه بأي مخالفة للقوانين الإسرائيلية باستثناء أن هذا الفلسطيني لا يزال يعيش، لا يزال حياً، فاخترعت له العصابة الإسرائيلية قانون السجن الإداري يعني " أيها الفلسطيني أنت متهم، وكيف لا تكون متهماً"، واختراعا لما يناسبك فقد اخترعنا لك شيئاً جديداً في ثقافة السجون اسمه السجن الإداري، لعلنا نعثر لك على قضية ارتكبتها ونحن غافلون، وهي أنك تكره الاحتلال.
المثال الثاني: أن هذا الفلسطيني المعتقل في سجون الدولة الإسرائيلية، تسير أموره داخل هذه السجون العصابة الإسرائيلية، فماذا تفعل به، حين يمرض ويذهب إلى العيادة الطبية أو المستشفى الإسرائيلي، فإن القيود والكلبشات التي توضع في يديه وفي ساقيه، وزيادة في التعبير عن ثقافة العصابة الإسرائيلية، فإن قيوده هذه تثبت في حديد السرير الذي ينام عليه!!! انظروا بالله عليكم، هل تعتقدون أن الله، سيتجاهل ذلك كله، ويجعل هذه الدولة مهما كانت قوتها المقدمة لها من أصدقائها بغير حساب، هل الله سيسمح لهذه الدولة باستمرار الحياة؟ أنا على قدر إيماني لا أعتقد.
في نضالنا اليومي المستمر, ثمة سياسيون كثيرون ومثقفون وفلاسفة كثيرون، تنبأوا من أول ظهور القضية، أن الأكاذيب التي جعلها بعض العرب في منزلة الآيات القرآنية المقدسة، سوف تنكشف، أذكركم بواحد من هؤلاء الشعراء الكبار وهو الشاعر العراقي الكبير "بدر شاكر السياب"، الذي قال ذات يوم:
يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى كأنه النسيج
يا خليج، يا واهب الردى.
إن واجبنا كفلسطينيين في وسط الدوامة، أن نعبر بأعلى وأقدس صيغ الوحدة عن نضالنا الواحد ذي الإيقاعات المختلفة، يا أيها الفلسطيني، لا تصدق من يهمس في أذنك على انفراد ويقول لك:
أنت الأفضل، أنت الأقوى، أنت الأصوب.
لأن هذا القول هو همس الشياطين ليس إلا،
يا أيها الفلسطيني، لك المجد كله، لك الفخر كله، لأنك فلسطيني، ألا يكفيك ذلك، ولن تجد أمضى من سلاح كونك فلسطينيا، حتى تستطيع أن تواجه الفلتان السياسي الإسرائيلي الذي سيتحول إلى فلتان أمني، والله المستعان.
المصادر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها