قبل كل شيء، وقبل تحليل ما حدث، لا بد من التأكيد أن الشعب الفلسطيني وقيادته ينظرون لأمن الأردن واستقراره مصلحة وطنية لها بُعد إستراتيجي، فالأردن هو رئة فلسطين، وهو وفلسطين يتكاملان، وهناك حقيقة لا بد من الإضاءة عليها أن الأردن تحول مع الوقت، ومع تطور الأحداث في المنطقة إلى موقع حاسم في استقرار الشرق الأوسط أو انتشار الفوضى فيه بشكل يصعب معه استعادة الاستقرار بسهولة. انطلاقًا من ذلك فإن أي تهديد لأمن الأردن واستقراره. سواء جاء هذا التهديد من الداخل أو الخارج، فهو محل اهتمام الفلسطينيين، ودول المنطقة والعالم.

لا أدري إن كان وينستون تشرشل، الذي كان عام 1921 وزيرًا للمستعمرات البريطاني، يدرك وهو يرسم حدود المنطقة، أن الأردن سيصبح بهذه الأهمية لأمن واستقرار الشرق الأوسط، فقد كان همه في حينه أن يكون شرق الأردن أداة الربط بين العراق وفلسطين. وبشكل أوسع لضمان طريق الهند، وبغض النظر فإننا اليوم أمام شرق أوسط يمثل فيه الأردن بقعة الجغرافيا الأهم من زاوية الأمن والاستقرار.

نحن في فلسطين لم نفاجأ بممارسات جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وكيف استغلت هذه الجماعة الهامش الواسع الذي منحتها إياها الدولة الأردنية لممارسة نشاطاتها السياسية والاجتماعية، وحتى الاقتصادية والمالية، وأن يضمن لها حق التعبير من خلال منبر البرلمان بحرية، ففي فلسطين فازت حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، وأخذت حقها بتشكيل الحكومة برئاسة إسماعيل هنية، وعندما وصلت حكومتها لباب مسدود بسبب رفض حماس قبول شروط المجتمع الدولي، ذهب الكل الفلسطيني إلى مكة وهناك تم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة حماس (إسماعيل هنية) لكنها، أي حماس انقلبت على اتفاق مكة، وعلى حكومة الوحدة الوطنية، التي تترأسها وسيطرت على قطاع غزة بالقوة عام 2007، ومنذ ذلك التاريخ انقسم الشعب الفلسطيني، وتم تجزئة جغرافيا الدولة الفلسطينية، ما منع قيامها، لذلك لم يكن مفاجئًا للشعب الفلسطيني ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين في الأردن الشقيق، وتهديد أمن المملكة بشكل خطير.

المشكلة التي واجهها الأردن، يمكن تلخيصها كالتالي، جماعة الإخوان لا تؤمن بالدولة الوطنية، وباستمرار لها أجندة متناقضة تمامًا مع المصالح الوطنية، وتستند إلى تحالفات تخالف تحالفات الأردن ومصالحه، وباستمرار تسعى لأن تكون دولة داخل الدولة، وتحاول إن استطاعت أن يكون لها ذراع عسكري يمكن تستخدمه في أية لحظة تهتز بها موازين القوى الداخلية. جماعة الإخوان هي حركة فوق وطنية، عابرة للحدود. ومشروعها يتناقض كليًا مع الدول الوطنية.

يمكن تخيل الحال، لو لا سمح الله، تطورت هذه النواة إلى مليشيا، وامتلكت القوة لتغيير المعادلة الداخلية، ونشرت الفوضى، لتحولنا جميعًا في فلسطين والأردن في الحسابات الدولية، كما هي الحسابات تجاه قطاع غزة، نواجه الدمار وربما يتم تغير خارطة الشرق الأوسط برمته لمصلحة إسرائيل، وإعادة الأردن لنطاق وعد بلفور، والسماح لإسرائيل التوسع شرقًا، وخلال ذلك يكون وضع الضفة قد حسم تمامًا.

ما حصل، وإفشال الدولة الأردنية لمخطط تهديد الأمن الأردني في مهده، قد يكون فيه فرصة لإعادة صياغة الأمن القومي العربي، والتنسيق المحكم لمنع زعزعة أمن واستقرار الدول العربية، خصوصًا مع المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، وبالتحديد في المنطقة حيث نشهد حروب الدول الإقليمية فوق الجغرافيا العربية.

أمن واستقرار الأردن، هو مصلحة فلسطينية، مصلحة سعودية، مصرية، مصلحة للعراق وسوريا ولبنان، من هنا فإن الحدث استفز كل هؤلاء، ودق لهم جرس الإنذار، فقد شعر الجميع بالخطر، والسيناريوهات التي قد تنفجر في وجه الجميع، في حال تم خلخلة أمن الأردن. 

وفي السياق، فإنه وبالقدر الذي فيه عين الفلسطينيين مسلطة على أوضاعهم الحرجة والمصيرية، فإن عينهم بالقدر نفسه مسلطة على أمن الأردن واستقراره، لأن الأردن القوي المستقر سيدعم صمودهم على أرضهم ويمنع تهجيرهم، أما الأردن الذي تسوده الفوضى سيسمح بالتأكيد بتهحير الفلسطينيين على أقل تقدير.