أيًا كان الذي يمتشق الإرهاب على مستوى الأفراد أو الجماعات أو ذلك التي تقوده دول مارقة فإنه لا فرق في الأسباب والنتائج في العلاقات الإنسانية.
الاستهجان والاستغراب يصيب الشعوب عندما يضرب الإرهاب أينما يجد البيئة المناسبة من الممكن أن يعمل فيها. لن يكل أو يمل الإرهاب في أن يجد له بيئة مناسبة ليتكاثر وينمو ويفرز سمومه في المجتمعات الآمنة. وتمثل الحاضنات التي تحمل الأفكار المتطرفة، والبعد عن مكونات الدولة من أخطر العوامل التي تولد الإرهاب، في المجتمعات التي يزدهر فيها. هناك عوامل يجب الانتباه إليها في تضييق الخناق على التطرف والفكر المنحرف. وأهم العوامل الحاضنة للفكر الإرهابي ونمو الجماعات المتطرفة الانجراف العاطفي الأعمى والشعارات الموجهة، تفكك الأسر، الجهل الديني، ضعف المؤسسة التعليمية والثقافية، الفجوات بين الدولة والفئات الشبابية، والتلقين الأعمى، الغزو الثقافي، الفقر، البطالة، الجهل، التهميش، والتمييز، إذا لم يتم معالجة تلك الظواهر فإنها كفيلة لديمومة استمرار الإرهاب والإرهابيين. وهنا يجب أن نوضح الفرق الشاسع في الجهود التي تبذلها الجهات الإرهابية التي تريد زعزعة المجتمع والنظام في برامج العمل التي تديرها والأخرى التي تمارس النضال وتخضع وشعبها إلى إرهاب الدولة المحتلة المنظم.

وإذا كان الإرهاب الفردي أو التنظيمي للجماعات الإرهابية، فإن الدول أيضًا تمارس الإرهاب، التي تريد أن تقهر وتخوف شعوبًا أقل منها قوة، أو تريد تحقيق مكاسب من وراء ممارسة الإرهاب، في مخالفة واضحة للقانون الإنساني الدولي. والحاضنة الأساسية لإرهاب الدولة هو احتلالها للشعوب وفرض الإرادة العسكرية، والسياسية عليها.

الإعلان يوم أمس في الأردن الشقيق عن اكتشاف خلية إرهابية، وتخزين مواد شديدة الانفجار في الأحياء وبين السكان، مما شكل خطرًا داهمًا على الشعب الأردني الشقيق. من الواضح أن الأردن أحد الدول المستهدفة من جهات دولية لزعزعة الاستقرار فيها، ولعل ذلك يعود إلى العلاقات الفلسطينية الأردنية الثابتة والموقف الأردني الثابت اتجاه القضايا التي يراد تمريرها في المنطقة ومنها تهجير الشعب الفلسطيني الذي أخذ الأردن موقفًا ثابتًا وحازمًا باتجاه منع التهجير الفلسطيني إلى الأردن أو أي مكان آخر. وكنا شهدنا الحراك الأردني القوي من جلالة الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية الأردني الرائع الدكتور أيمن الصفدي بخصوص المواقف المختلفة، التي عصفت بالقضية الفلسطينية. زعزعة الاستقرار في الأردن، تحمل في طياتها معانٍ كثيرة، ولعل رغبة تنظيم الإخوان المسلمين في تصدر المشهد السياسي، واعتلاء سدة الحكم هي من ضمن البرامج التي وضعها التنظيم على الطاولة، ويحاول الوصول إليها في الأردن عبر شعارات المقاومة، وتحرير فلسطين. تجربة الإخوان المسلمين في الحكم، مع الاحترام للأفراد إلا أنها كانت فاشلة في معظمها وسببت المآسي للشعوب العربية، بسبب الحالة الدموية والفوضى التي سادت المناطق التي حاول فيها الإخوان الوصول إلى الحكم.

من أجل اجتثاث الإرهاب، الذي لا يقل خطورة بل أشد خطرًا على الشعوب من الأعداء، لأن الإرهاب يمارس بأيدي أبناء البلد، الذين وصفهم القرآن الكريم بالمنافقين، وتوعدهم الله بأنهم في الدرك الأسفل من النار. التركيز من الدولة أو السلطة على العامل الثقافي والديني يعتبر من الأولويات التي يفترض معالجتها، ويجب أن يمنع أصحاب الأجندات المظلمة من اعتلاء المنابر التي تعمل على تسميم الفكر الإنساني في المجتمع. ومن الضرورة إعادة خلق ثقافة التسامح والمحبة بين أفراد الشعب الواحد، والابتعاد عن ثقافة الكراهية والحقد. التحريض في الكثير من المساجد والمنابر التي يقودها الأفراد وغالبًا جماعات أصحاب أجندات لديها ارتباطات مختلفة، تخلق بيئة الكرة والقرف الذي يسود المجتمع ويهدد السلم الأهلي فيها، الذي يجمع الأطياف المختلفة من الشعب الفلسطيني، على وحدة المكان والزمان والثقافة والمصير المشترك.

العلاقة بين المسؤول ورعيته والقدوة الحسنة وسياسة الباب المفتوح واللقاءات والحوارات بين أطياف المجتمع هي غاية في الأهمية، ونفتقدها في مجتمعاتنا العربية، لأن المسؤول يحتاج إلى مقومات ويجب أن تتوفر فيه معايير الخبرات للوصول إلى النفوذ والمسؤولية التي تجمع الأطراف مع بعضها البعض. أخطر ما نواجهه في مجتمعنا هو المحسوبيات التي تجد طريقها إلى سدة الحكم، ويمكن أن تحدث هنا الكوارث والتفسخ في المجتمع.

الفقر والبطالة من أعداء الاستقرار، يجب الانتباه إلى تلك الآفات التي تسبب الكوارث الاجتماعية والسياسية في المجتمعات الناهضة في منطقتنا العربية، وخاصة في مجتمعنا الفلسطيني حيث الحصار، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي، والاستيطان، والحصار الاقتصادي الجامح.

مواجهة الغزو الفكري والثقافي والتحريض الممنهج، وصياغة الخطاب والعدالة الاجتماعية والمصارحة إلى الجبهة الداخلية بعموميته وشموليته واعتماد الاعتدال في تسويق هذا النهج للجمهور يعتبر من أهم الأدوات التي تعيد للمجتمع لحمته ليكون الحاضنة للقيادة السياسية.

العمل من أجل الوطن أعلى درجات الواجب الإنساني والأخلاقي والوطني، وبناء الأوطان يتم من خلال إعداد الثروة البشرية التي ينتمي إليها، الإنسان عماد الأوطان. العدو لا يقتل الحجارة، إنه يستهدف الإنسان أولاً وأخيرًا أما بالقتل المباشر وأما بأداوته الأخرى التي يعتبر الغزو الفكري والثقافي أهم أدواتها حيث تنقسم الثقافات والارادات وتتلاشى الآمال، ومن تتلاشى الشعوب والأوطان. حمى الله وطننا فلسطين والأردن وكل الوطن العربي وقتل الله الإرهاب والإرهابيين.