بعد تولي الرئيس دونالد ترمب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأميركية لولاية ثانية 20 كانون الثاني 2025، أعطى أولوية للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ودعاه للبيت الأبيض في يوم الاثنين الموافق الرابع من شباط/فبراير الماضي، أي بعد أسبوعين من جلوسه على كرسي الحكم، كأول زعيم سياسي يلتقيه، واستقبله بحفاوة ملفتة للنظر، فضلاً عن تماهيه مع خيار الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في مواصلة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وأفرج عن القنابل التقيلة والأسلحة التي منعت إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن تصديرها لإسرائيل، وغيرها من الأسلحة بقيمة 12 مليار دولار أميركي، والأخطر في مواقف ترمب دعوته في المؤتمر الصحفي المشترك فجر الثلاثاء بتوقيت فلسطين الخامس من ذات الشهر مع ضيفه الإسرائيلي إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع بشكل كلي ودائم إلى كل من مصر والأردن، وطلب من النظامين الشقيقين السماح باستقبال المهاجرين الفلسطينيين، وإقامة ريفييرا الشرق الأوسط على أراضي القطاع، مسقطًا حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وحقوقه السياسية والقانونية في أرض وطنه الأم فلسطين. لكن القيادتين المصرية والأردنية رفضتا الاستجابة لدعوة الرئيس الـ47 لأميركا الشمالية، وبالتدريج تراجع الزعيم الجمهوري عن خيار التهجير القسري، وقام ممثلو الإدارة بتدوير الزوايا، وشذبوا مواقف رئيسهم. وبالتالي كانت الزيارة الأولى لرجل إسرائيل القوي ناجحة بامتياز، وحققت نتائج تفوق ما توقعه وائتلافه من سيد البيت الأبيض.
بيد أن الزيارة الثانية لنتنياهو لواشنطن أول أمس الاثنين 7 نيسان/إبريل الحالي، أي بعد شهرين من الزيارة الأولى والتي جاءت باستدعائه على عجل، ودون ترتيب مسبق، لم تحظ بالحفاوة التي حظي بها في الزيارة الأولى، كما ألغى الرئيس الأميركي المؤتمر الصحفي، واستعاض عنه بدردشة صحفية مع 13 صحافيًا معتمدين في البيت الأبيض، مع أنه كان هناك نحو مئة صحفي من مؤسسات إعلامية أميركية وإسرائيلية ودولية ينتظرون المشاركة في المؤتمر الصحفي، مما أثار استياء وسائل الإعلام الإسرائيلية، ليس هذا فحسب، بل إن الملفات الأربعة الرئيسية التي طرحت على طاولة النقاش بين الزعيمين، وهي ملف الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على إسرائيل أسوة بمئة وثمانين دولة من العالم، والملف النووي الإيراني، والملف التركي والملف الفلسطيني الإسرائيلي، لم يحقق رئيس الوزراء الإسرائيلي أي نجاح فيها، لا بل يمكن الجزم، إنه فشل في انتزاع أي انجاز يذكر، وهذا ما أكدته وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية والدولية
ففي ملف الرسوم الجمركية رفض ترمب التراجع عن النسبة المحددة منها على إسرائيل، وهي 17%، وقال في الدردشة الصحفية، أن الولايات المتحدة تقدم أربعة مليار دولار كل عام لإسرائيل، وأضاف: "لا تنسوا، نحن نساعد إسرائيل كثيرًا، نمنحها 4 مليارات دولار سنويًا، وهذا مبلغ كبير. إنه المبلغ الأعلى الذي نمنحه لأي دولة". وبالتالي عليها أن تلتزم بما قررته الإدارة الأميركية، مع أن نتنياهو كان يتوقع أن تلغي الرسوم الجمركية عن دولته، أو على الأقل تخفيضها في أسوأ الأحوال.
كما فاجأ الرئيس الأميركي رئيس الوزراء الإسرائيلي بالمفاوضات المباشرة مع إيران بشأن ملفها النووي في سلطنة عُمان يوم السبت القادم 12 إبريل الحالي، ورغم تحذيره لإيران بعظائم الأمور، إلا أنه ركز على الذهاب إلى الحل السياسي والمفاوضات بدل اللجوء للحل العسكري، الذي كان نتنياهو يسعى ويعمل من أجله.
وفي الملف التركي، أبدى الرئيس ترمب "إعجابه الخالص" بحليفه التركي، رجب طيب أردوغان، ولم يلتفت لمخاوف نتنياهو من توسع النفوذ التركي في سوريا، وغض النظر عن التقارير الإسرائيلية كافة، التي أشارت إلى أن التدخل التركي في سوريا، قد أمسى يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل، وطالب رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل "بحل جميع مشاكله مع تركيا بعقلانية". واقترح أن يكون وسيطًا بين الزعيمين التركي والإسرائيلي، مما أثار انزعاج نتنياهو.
وأما الملف الفلسطيني الإسرائيلي، ورغم أن الزعيم الجمهوري كان مشتت الذهن بين خياره الأول الداعي للتهجير القسري للفلسطينيين من القطاع، وبين وقف إطلاق النار والوصول لاتفاق للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، إلا أنه كان أكثر ميلاً للرؤية الثانية، لا سيما وأنه سيزور المنطقة مطلع أيار/مايو القادم، وسيلتقي مع الزعماء العرب، أضف إلى أن محادثة مع الرؤساء ماكرون والسيسي والملك عبدالله أول أمس معه قبل لقائه مع نتنياهو، جعلته يعطي أسبقية للخيار الثاني، وهذا زاد من استياء رئيس الوزراء الإسرائيلي، مما دعاه لمغادرة واشنطن على عجل، وهو يحمل خيبة أمل كبيرة من زيارته الثانية، مع أن بعض المصادر الإعلامية سربت خبر إمكانية تمديد نتنياهو لزيارته لواشنطن. لكن رياح البيت الأبيض عاكست سفينته، مما اضطره للعودة لتل أبيب، وهو مشحون بالغضب والخيبة. وسيكون لنتائج الزيارة تأثيرات سلبية على الائتلاف الحاكم عمومًا ونتنياهو شخصيًا في الشارع الإسرائيلي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها